التعليم العالي وأمناء جامعة آل البيت واختيار الرئيس الجديد
د. محمد بني سلامة
30-09-2018 01:08 AM
إنتهت اليوم الأحد المهلة التي حددها مجلس أمناء جامعة آل البيت لتقديم طلبات إشغال منصب رئيس الجامعة، وسط عزوف الكثير من القامات العلمية المعروفة عن تقديم طلبات وذلك لأسباب كثير منها الإحباط الذي أصاب هذه القيادات نتيجة ممارسات سابقة في اختيار رؤساء الجامعات، حيث كانت هذه القيادات تتقدم بطلبات ترشيح ولديها سجل أكاديمي متميز إلا أن عملية الاختيار في النهاية كانت تستند إلى اعتبارات أخرى بعيداً عن أسس ومعايير المفاضلة والشروط المعلنة، كما ان بعضهم لا برغبون في الخضوع للمفاضلة او التقييم ويرون في ذالك امتهان لقدراتهم ووضعهم الاكاديمي او الاجتماعي ، ولا نعرف والحال هذه إذا كان مجلس أمناء جامعة آل البيت سيكتفي بدراسة الطلبات المقدمة واختيار مرشحين من ضمنها، أم يلجأ إلى استقطاب بعض الكفاءات العلمية والطلب منها أن تتقدم بطلبات ترشيح. وفي كافة الأحوال، فإننا نعلم أن مهمة اختيار رئيس جامعة هي مهمة صعبة وشاقة وتخضع لاعتبارات كثيرة منها الأكاديمية والفنية والسياسية وغيرها.
الإعلان الصادر عن أمانة سر المجالس في جامعة آل البيت حدد 8 شروط عامة للتقدم منها أن يقدم خطة تثبت قدرة المرشح على استقطاب التمويل الخارجي للمشاريع الجامعية وهذا الشرط متوقع ومطلوب في ضوء الأوضاع المالية الصعبة التي تعاني منها الجامعة شأنها شأن غالبية الجامعات الرسمية، حيث أن هناك كلفة للتعليم لا بد من دفعها، وهذا لن يتحقق إلا عبر الدعم الحكومي أو رفع الرسوم الجامعية وهو خيار غير مطروح في الظروف الحالية، ومن هنا فإن الحصول على التمويل الخارجي وضبط النفقات ووقف الإنفاق غير المبرر هي السبل المتاحة لمعالجة الوضع المالي الصعب للجامعات المدينة.
وأحسن مجلس أمناء جامعة آل البيت بإضافة شرط إتقان اللغة الإنجليزية حيث أنه من غير المعقول أن لا يجيد رئيس الجامعة اللغة الإنجليزية وهو يلتقي السفراء والمستشارين الثقافيين ورؤساء الجامعات الأجنبية، فمن لا يتقن اللغة الإنجليزية في عالم اليوم هو أمي بغض النظر عن مؤهلاته العلمية.
كما حدد الإعلان مقدماً وبكل شفافية أسس ومعايير المفاضلة من خبرات وصفات إدارية وقيادية وبحث علمي وغيرها من أسس والعلامات المستحقة عليها بمجموع 70 علامة، ونأمل أن يستمر المجلس في هذه الممارسة التي تعكس الشفافية والعدالة والنزاهة والحاكمية الرشيدة وذلك بإعلان ترتيب المرشحين بعد دراسة وفرز الطلبات في مرحلة لاحقة، وبذلك يستعيد المجلس ثقة المسؤولين والرأي العام ولا سيما أن صورته اهتزت مؤخراً نتيجة ممارسات بعض الأعضاء.
والسؤال المطروح الآن كيف سيتم تطبيق الأسس والمعايير السابقة وترجمتها على أرض الواقع؟ لا شك أن مجلس أمناء جامعة آل البيت أمام اختبار حقيقي في هذا المجال وعليه أن يثبت أنه جدير بالثقة وأهل للمهمة، وقد أحسن الدكتور عادل الطيوسي صنعاً باختياره العلامة الدكتور محمد عدنان البخيت لرئاسة مجلس أمناء جامعة آل البيت، فالدكتور البخيت هو مؤسس الجامعة هو الذي عايش نشأتها منذ البداية، وفي عهده كانت الجامعة في عصرها الذهبي، وربما جاء اختياره لاستعادة الجامعة ألقها ومكانتها التي تراجعت لاحقاً على أكثر من صعيد وشهدت الكثير من الأحداث المؤسفة والتي وصلت في مرحلة معينة حد المشاجرات بالأسلحة.
الدكتور محمد عدنان البخيت المؤرخ والباحث وصاحب السيرة العلمية والأكاديمية الطويلة والغنية بالإنجازات، والحاصل على الكثير من الجوائز والأوسمة وهو أحد رموز الوطن، ومن المتأمل أنه وزملائه أعضاء مجلس الأمناء سيضعوا نصب أعينهم عند اختيارهم رئيس الجامعة القادم المصلحة العامة باختيار رئيس جديد قادر على النهوض بالجامعة وأداء رسالتها على النحو المطلوب، وربما تكون الجامعة اليوم على مفترق طرق، فإما النهوض، وإما التعثر والتراجع -لا قدر الله-، وربما والحال هذه الجامعة بحاجة إلى رئيس قوي مستبد وعادل، لا يتسامح في حق الجامعة ولا تأخذه في الحق لومة لائم.
ويدرك الدكتور البخيت أنه كرئيس مجلس أمناء للجامعة فإنه سيمارس دوره وصلاحياته بموجب القانون بغض النظر عن من هو رئيس الجامعة، سواء كان طيعاً أو عنيداً صلباً أو ليناً، والرؤساء الأقوياء عادةً ما يختاروا للعمل معهم أشخاص أقوياء مما ينعكس إيجاباً على المؤسسة، والبخيت في ممارسته لعمله كرئيس لمجلس أمناء الجامعة لا يبحث عن أية مكاسب شخصية أو امتيازات خاصة، وهو لا يبحث عن رئيس على مقاسه، على قاعدة أن تعيين شخصاً ضعيفاً يمكّن البخيت من الهيمنة عليه والإنفراد بالرأي والقرار، وإنما يسعى لاختيار رئيس على مقاس الجامعة والمصلحة الوطنية ومقتضيات المرحلة.
أما بخصوص المرحلة الثانية من عملية الاختيار والتي تقع على عاتق مجلس التعليم العالي، فإن رئيس المجلس الدكتور عادل الطويسي ورئيس اللجنة الاكاديمية التي قد يحال عليها تقرير مجلس الامناء كما فعل مجلس التعليم العالي سابقا في تقرير مجلس امناء الاجامعة الاردنية هو الدكتور نبيل شواقفه وكلاهما سبق وأشغل موقع رئيس جامعة آل البيت، وهما على دراية تامة بشؤونها وظروفها، على قاعدة أهل مكة أدرى بشعابها، وبالتالي اختيار الرئيس الأنسب والأقدر على قيادتها والنهوض بها.
وللإنصاف فإن الوزير الطويسي لا ناقة له ولا جمل في موضوع اختيار رئيس الجامعة سوى المصلحة الوطنية العليا، فهو يفكر بصوت مسموع، ويتصرف دوماً كرجل دولة وازن، حريص كل الحرص على مصالح البلاد والعباد، وهو مهندس قوانين التعليم العالي الجديدة في البلاد، وبصماته في إصلاح التعليم العالي ماثلة للعيان، ورغم كل هذا لم يعد سراً أن الرجل بات مستهدفاً من بعض مراكز الثقل من حيتان التعليم العالي نتيجة بعض الأحداث المؤسفة التي لا علاقة له بها من قريب أو بعيد وكان له موقفاً صارماً تجاهها، والطويسي لا يسعى للشهرة أو النجومية وليس بحاجة لمن يدافع عنه، ولا نرغب في التفتيش في الدفاتر القديمة للذين يستهدفونه، ممن يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، والذين كذبوا حتى صدَّقوا أنفسهم، معتبرين أن الوزير الطويسي على رأس المغادرين في التعديل الوزاري القادم، وهذا ليس صحيحاً البتة، فالرجل أمامه الكثير من المهمات التي لم ينتهي منها، ولا بد من إعطائه الفرصة لإنجازها، وبخلاف ذلك فإننا سنقرأ الفاتحة على موضوع إصلاح التعليم العالي في البلاد.
وفي الختام، فإن المطلوب من المعنيين في الأمر، مجلس أمناء جامعة آل البيت ومجلس التعليم العالي، السرعة الممكنة في إنجاز هذا الملف، إذ ليس في مصلحة الجامعة أن تطول الأمور طويلاً، وخصوصاً أننا نعلم أن أي رئيس مكلف بتيسير أمور الجامعة لا يميل إلى إتخاذ قرارات حاسمة في كثير من الملفات والقضايا المعروضة، بإنتظار أن يتم إتخاذ القرار المناسب بشأنها من الرئيس الفعلي للجامعة، كما أن السرعة الممكنة لا تعني بأي حال من الأحوال التسرع وسلق الموضوع على نار، وكذلك لا نريد أن تتكرر تجربة اختيار رئيس الجامعة الأردنية، والتي دار حول إجراءاتها الكثير من اللغط، ولم تشفي غليل الكثير من القيادات الأكاديمية المعنية بهذا الشأن.
هذه جملة أفكار نضعها أمام المعنيين في هذا الشأن، ونأمل أن يتم النظر إليها بعين العقل بعيداً عن أي مواقف مسبقة أو انفعالية، وليس لنا مصلحة خاصة أو أجندة شخصية فيها سوى تحقيق المصالح الوطنية العليا للبلاد والأماني الشعبية المشروعة للعباد، في إطار حوار ديمقراطي بناء تجاه قضية تهم المجتمع من أجل إتخاذ القرار العقلاني الحكيم الذي يسهم في الوصول إلى الحلول المناسبة للتحديات. والله الموفق.