مجمل القضايا الاقتصادية والاجتماعية هي ميدان مهم من ميادين الصراع في أيّ مجتمع منقسم إلى طبقات اجتماعية متعارضة المصالح ، فهناك طبقات في المجتمع تمتلك معظم وسائل الإنتاج ، وتستأثر بمعظم خيرات البلاد ومواردها ومقدراتها دون حسيب أو رقيب ، وهناك طبقات تمثل الأغلبية الساحقة من الناس ، لا تملك غير قوة عملها العضلية أو الذهنية، وتعتمد على الأجور والرواتب ورواتب التقاعد وما شابه ذلك كمصدر رئيسي للدخل ، وهذا الكلام ليس ترفاً أو تنظيراً بل واقع معاش لا يمكن نكرانه .
أن المواطن العادي يحتاج الى تفاسير فضفاضة بقدر ما يحتاج إلى سلوكيات انسيابية يتخذها المجتمع بتلقائية فطرية وإيمانٍ كبير بأهمية العيش الكريم وفق المفهوم الأكبر للحياة ، فتجده يحاول أن يبحث عن معلومات أو إشارات من المختصين تتعلق بذلك على أمل أن يحضر نفسه للتعامل مع أي أوضاع قد تؤثر في طريقة عيشه أو قدرته على الوفاء بالتزاماته ، فالحسابات المؤثرة اقتصاديا في وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بجميع أساليب التهويل الاقتصادي والتحذير من الكوارث القادمة وإلقاء اللوم على جشع التجار أو على عجز الحكومات على تأمين مستوى العيش الملائم للمواطن ، يترافق ذلك مع مقارنات بدول متقدمة وما يحصل عليه المواطنون في تلك الدول ليخرج المواطن العادي لتلك الأطروحات بخلاصة أنه مسكين ومغلوب على أمره ولا يمكنه إلا أن ينتظر ما يحمله إليه المستقبل من ماّسي.
يبقى المواطن العادي يترقب الأفضل في حياته وإن علاه غبار المعتركات الكلامية للمسؤولين فإنه سينفضه عنه في آخر النهار ليتوجه مع بزوغ أشعة الصباح إلى الكدح اليومي لتوفير متطلباته الحياتية، وربما صار المواطن يدرك أن السياسة هي عمل من لا عمل له، أو أنها مهنة الكلام الكثير والأفعال العديمة ، وما يهمه الآتي والملموس في حياته المعيشية ، ويهمه استقرار الأسعار وزيادة الدخل وتحسن الخدمات ، ويهمه أن يذهب طفله إلى مدرسة نظيفة ومعلمين مؤهلين ، ويهمه سعر الدواء والخبز والخضار اليومية ، وانتظام مرور موزع جرات الغاز ، والحصول على شقة للإيجار بسعر معقول واستقرار سعر تنكة البنزين ، وماء وكهرباء باسعار معقولة ، فهو دائم الانشغال بما فيه الكفاية في توفير اقل ما يمكن توفيره لعائلته البسيطة ، ويريد الأمان والاستقرار وهدوء البال ، كما ويحلم بإجازة للذهاب بأطفاله إلى شواطئ العقبة الجميلة ، ويبقى يحلم بمشروع حيوي في منطقته يخدمه ويخدم جيرانه .
مع تأكيد المؤكد ، فما يدور في الدهاليز لا يعني المواطن في شيء ، بل أصبحت لديه مناعة مكتسبة ضد الافتراءات والأكاذيب للسياسين والاقتصاديين التي لا تفتأ الصحافة وعلى المواقع تتبرج بها مادحة وقادحة ، محرضة ومنفرة ، ولتكن هذه دعوة لكل المنافقين والعابثين بامن المواطن والوطن الاقتصادي والمعاشي والاجتماعي ليتركوا المواطن في حاله بعيداً عن المزايدة والمكايدة ، وبعيداً عن الوعود بالجنان الخضراء والفراديس الموعودة ، وبعيداً عن أجر التثوير أو حسنات التنفير .
وأخيراً .. فلا توجد منطقة وسطى بين الدولة واللادولة ، فإما هذه وإما تلك ، صحيح أن الزمن لا يمكن أن يعود إلى الوراء لتدارك أخطاء الماضي لكن هذا هو أملنا في المستقبل ، هذا هو أملنا في الاصلاح والمواطنة ، والقضاء على الفساد ، هذا هو أملنا في الاردن الذي نعرف كيف يمكن أن نحافظ عليه وقد كشفت لنا الماضي والحاضر كثيراُ مما كان يطفو على السطح الاجتماعي من أمراض اجتماعية واقتصاديه وسياسيه وعبثية لا تزال تتحكم بذهنية البشر.
فلك الله ايها المواطن