لم أكن أتمنى للرئيس الفلسطيني محمود عباس هذه النهاية السياسية المحزنة، من أعلى منصة أممية، ألا وهي منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وأعترف بمرارة بهذا الأمر مع الاختلاف الكبير مع سياساته ونهجه، وأقول ذلك بعدما بات حاملاً للقب "رئيس الشعب الفلسطيني" وهو الشعب الذي يؤرخ له العالم بأنه مفجر أطول ثورة ضد أقدم احتلال في العصر الحديث.
محتوى خطاب عباس الأخير ولغة جسده كانا يقولان "أعطونا فرصة أخيرة للحياة" وهي دعوة موجهة لإسرائيل أولاً، ثم لإدارة ترامب ثانياً، ورغم استنتاجي هذا لا أعلم ما هي "الفرصة الأخيرة " التي كان ينتظرها عباس؟
خسر "رئيس الشعب الفلسطيني" فرصة تاريخية في الوقوف وبتحد أمام أمريكا وإسرائيل والعالم وليعلن قرارات تهز المجتمع الدولي تعادل ما قام به ترامب بنقل عاصمة بلاده إلى القدس الشرقية المحتلة، وقانون نتانياهو، قانون "الدولة القومية".
وعندما سمعته يعلن في الأمم المتحدة عن قرارات المجلس الوطني الأخير وأعاد نصاً مهماً منها وهو ".. وقد اتخذ هذا البرلمان قرارات هامة تُلزمني بإعادة النظر في الاتفاقات الموقعة مع الحكومة الإسرائيلية، السياسية والاقتصادية والأمنية على حد سواء، وفي مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت دون سلطة، كما طالبني بتعليق الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، إلى حين اعتراف إسرائيل بدولة فلسطين، على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والتوجه للمحاكم الدولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية للنظر في انتهاكات الحكومة الإسرائيلية للاتفاقات الموقعة، واعتداءات الجيش الإسرائيلي والممارسات الإرهابية للمستوطنين على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا الدينية لاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى هي لعب بالنار".. اعتقدت عندها أنه سيقلب الطاولة على العالم "وسيعلن ما يلي:
أولاً: سحب الاعتراف بدولة إسرائيل، والتأكيد على أنها دولة محتلة وعنصرية وهي آخر احتلال في التاريخ المعاصر وإلغاء أية اتفاقات معها منذ توقيع اتفاقات أوسلو، والمطالبة بمحاكمة جنرالات جيشها على جرائم الحرب التي ارتكبت ضد غزة والمدن الفلسطينية.
ثانياً: الإعلان عن أنه مشروع شهيد على غرار الشهيد ياسر عرفات.
ثالثاً: الإعلان عن أن الشعب الفلسطيني هو أكثر الشعوب في هذا العالم التي عانت من الإرهاب وتحديداً الإرهاب الإسرائيلي منذ بدايات القرن العشرين وذكر أسماء تلك المجازر التي ارتكبت بحقه منذ 1937 على أرض فلسطين والتي تعد بالعشرات، هذا عدا شهداء المجازر الذين سقطوا فوق الأرض اللبنانية وتحديداً في مجزرة صبرا وشاتيلا وهي كلها موثقة تاريخياً.
رابعاً، وهو الأهم، الإعلان عن استقالته، والإعلان عن إلغاء السلطة الفلسطينية وإلغاء كل الاتفاقات المبرمة مع سلطة الاحتلال وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية حماية الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
مازلت أتذكر وبفخر ونشوة خطاب الزعيم الراحل ياسر عرفات أمام الجمعية العامة عام 1974 والذي خير فيه العالم وقتذاك بين البندقية وبين غصن الزيتون، ومنذ ذلك الخطاب وعرفات يوازن بين البندقية وبين غصن الزيتون إلى أن أسقطت إسرائيل غصن الزيتون من يده واغتالته بخسة وبجبن. تذكرت تلك الحادثة لأنها وبكل أسف النقيض الكامل لمشهد الرئيس عباس الأخير على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة خالي الوفاض ومجرد من كل شيء.
24: