رشوة ديمقراطية للعمانيين!
حلمي الأسمر
27-09-2018 07:46 PM
تنص الفقرة ج من المادة الثالثة من قانون البلديات على ما يلي:
1- يقسّم مجلس الوزراء أمانة عمان الكبرى إلى مجالس محلية يحددها ويحدد عدد أعضاء كل منها بقرار يصدر عنه على أن لا يقل عن خمسة أعضاء بمن فيهم رئيس المجلس المحلي ويعتبر العضو الحاصل على أعلى الأصوات رئيساً له.
2- يدير أمانة عمان الكبرى مجلس يحدد مجلس الوزراء عدد أعضائه ويتألف من:-
أ- رؤساء المجالس المحلية التابعة له على أن يشكلوا (75%) من عدد أعضاء المجلس.
ب- يعين مجلس الوزراء العدد الباقي لأعضاء المجلس بناء على تنسيب الوزير.
3- يعين مجلس الوزراء أمين عمان من بين أعضاء مجلس الأمانة بتنسيب من الوزير.
وهذا هو حال أمانة عمان، منذ زمن لم نعد نذكره، ففي الوقت الذي ينتخب المواطنون في بقية مدن المملكة، ممثليهم في المجالس البلدية، وينتخبون أيضا رئيس البلدية انتخابا مباشرا، حرم سكان العاصمة من هذا "الحق" الدستوري، لاعتبارات سياسية، ربما يكون قد عفا عليها الزمن، فالمشرع هنا افترض أن أهل العاصمة لم يبلغوا سن الرشد السياسي، كما هو شأن إخوانهم في بقية مدن الأردن، لذا تولى عنهم مهمة "اختيار" عمدتهم، نيابة عنهم، فضلا عن تعيين ربع أعضاء مجلس الأمانة، بوصفها "كوتا" معينة، تمثل مصالح ما، لما يسميه أحد الأصدقاء "حزب الإدارة العامة" ولا نريد أن نذهب بعيدا في تفسير هذا الأمر، فنقول أنه شكل ما من أشكال الفساد البيروقراطي المشرع بقانون، فيه شبهة دستورية، كونه يمس بما نص عليه الدستور بكون الأردنيين سواء!
حجة المتمسكين بتعيين عمدة عمان لم تعد تقنع أحدا، في وقت تبحث فيه الحكومة عن أي إجراء يعيد بناء الثقة بينها وبينها المواطنين، وربما يكون تعديل قانون البلديات، أو سن قانون خاص بالأمانة، كما سمعنا غير مرة من مسؤولين، ينص على انتخاب العمدة مباشرة من العمانيين، أحد أهم أسباب بناء هذه الثقة، وبالطبع لن تكلف هذه "الرشوة الديمقراطية" خزينة الدولة المثقلة فلسا واحدا، بل ربما تكون رافعة لمعالجة مشكلات عمان ومديونية أمانتها، ويضفي طابعا مختلفا على الخدمات التي تقدمها للمواطن، كون العمدة المنتخب سيشعر بالتأكيد بمسؤولية كبيرة أمام من ينتخبه، وبالتالي سيسعى بجد ونشاط لإرضاء ناخبيه، على العكس من الأمين المعين، الذي ليس لديه ما يثقل ضميره، سوى مساءلة مجلس الوزراء الذي يعينه، وهنا تتدخل تراثياتنا العريقة، من تبويس شوارب، وامسحها بهاللحية هذه المرة، في شطب أخطائه وتجاوزاته إن وجدت!
قرار انتخاب أمين عمان، فيما لو تمت ترجمته بتشريع، سيبعث كثيرا من الراحة في نفوس الناس، وسيعتبرونه جزءا ذا دلالة من عملية الإصلاح وتغيير النهج، وسيلقى ترحيبا شديدا من أطياف المجتمع وقواه السياسية، بل ربما يعيد بعض المصداقية لعملية الإصلاح برمتها، بعد أن بهتت وبليت وأصابها الخراب لكثرة تردادها بلا دلالات على الأرض، إن لم نقل أنها تبعث على "لعي" النفس، أما الخوف من أن تأتي الانتخابات بعمدة إسلامي، أو من لون معين، فلم يعد خوفا مبررا، وليس بذي بال، بعد أن أصيب الإسلاميون بما أصيبوا به من ضعف، وحتى لو جاء عمده يحمل مثل هذا التوجه فسيكون حريصا على أن يتبرأ من أي تبعة "سلبية" لهذا التوجه، وسيكون حريصا أكثر من غيره على أن يكون لكل العمانيين، ومهما يكن من أمر، فأن تأتي بعمدة ذي لون ما أفضل من تعيين عمدة بجرة قلم، تحرم ملايين من العمانيين من حقهم في اختيار عمدتهم!