توفي أمس الطفل هاشم الكردي، الذي تمّ الاعتداء على مركبة والده من قبل "فاردة" في المفرق، كما قرأتم تفاصيل القصة قبل أيام، وهي قصة من المفترض ألا تمّر علينا من دون أن نتوقف عندها مليّاً ونفكّر، مثقفين ونخباً ومواطنين ومسؤولين ومعارضة، بسؤال كبير: ماذا نفعل بأنفسنا؟!
هذه القصة تأتي بعد قصة أحد الشوارع في حيّ نزال، المعروف بانتشار تجارة المخدرات، ويفضح فيديو تداوله المواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي، الحيثيات التي أدت إلى وفاة رجل خمسيني، كما يكشف عن تأخر مماثل لتدخل رجال الأمن، أيضاً، بالرغم من تسجيل طلب استغاثة من سكان المنزل الذي توفي صاحبه!
علّق أحد القرّاء الكرام أمس على مقالتي (مشكوراً) قائلاً "معدلات ومؤشرات الجريمة (بكافة أنواعها) في بلدنا الحبيب لا تشير، برأيي، الى أزمة اجتماعية أو سيادية. ربما من الأسباب التي أدت الى ظهور وإبراز هذه الحالات؛ الأزمة الاقتصادية- مترافقة مع تغير أنماط حياة الأسر الأردنية وأثر ذلك المالي. إضافة الى فوضى واضحة في نشر الخبر عبر وسائط التواصل الاجتماعي وعدم تحري الدقة في كثير من الأحيان. وأخيراً غياب سياسة العقاب وتفعيل أدوات سيادة القانون -في بعض الاحيان-. في أميركا، مثالا، هناك مليون ونصف جريمة سنويا، وحوالي 11 مليون حالة إلقاء قبض سنويا! وسبعة ملايين جريمة ضد الممتلكات وحوالي مائة ألف حالة اغتصاب سنويا!! فهل نعتبر أن دولة مثل أميركا، بكل زهوها، ساقطة أمنيا واجتماعيا أو انها في أزمة معقدة لا يمكن حلها!؟".
أتفق تماماً مع القارئ الكريم بأنّ العنف موجود في كل المجتمعات، وجزء كبير من الظواهر التي نتحدث عنها لها سياقها ضمن عملية التحول الاجتماعي والثقافي التي تحدث، وكميّاً بمعنى نسبة الجرائم قد لاتكون مقلقة مقارنةً بدول أخرى.
لكن ما يدفع للقلق والخوف، ولا يعني الحكم على الدولة والمجتمع بالسقوط، هو أنّنا نتحدث عن هذه الحالات الفردية ضمن الصورة الكلية، وتلك الصورة تقول إنّ هنالك عنفاً بنيوياً يتمدد في المجتمع، يقتات على ضعف السلطة الأخلاقية للدولة، بفعل قصة الفساد، سواء كان ذلك حقيقياً أم مضخّماً، لذلك نجد صعوداً في التيار الداعشي، وفي انتشار المخدرات، وبعض صور الفساد الإداري.
في أميركا ودول أوروبية هنالك معدلات جريمة مرتفعة؟ نعم، وهنالك عنف في المدارس وانتشار المخدرات؟ صحيح.. لكن هنالك دولة قانون ومؤسسات حقيقية، لا يوجد أحد فوق مسطرة القانون، والمؤسسات تقوم بدورها بحيادية وفعالية، والدولة تقوم بواجبها ولا تقبل أن يتجاوز أحد على حقوق الآخرين أيّاً كان، هذا هو الفرق يا عزيزي!
ما نحتاجه اليوم فعلاً هو التركيز على قيم دولة القانون؟ وأن يتم استدخال هذا المفهوم في مناهج التربية والتعليم والكتب المدرسية؟ بما يعنيه من حكم القانون على الجميع، وتجريم من يخالفه، المتهرب ضريبياً، الفاسد إدارياً وسياسياً، المتنمّر اجتماعياً وسياسياً.. الخ، تكريس مبدأ "الجميع متساوون أمام القانون" هو المهمة المستعجلة والضرورية اليوم أمام الدولة لحماية السلم الأهلي والمجتمعي، والحدّ من العنف البنيوي والرمزي والمادي المستشري.
عندما تبدأ حسابات الدولة تهتز؛ ويدخل الاسترضاء والمسايرة والمجاملات الاجتماعية والسياسية محل تطبيق القانون، ويكون تطبيقه انتقائياً، فإنّ هذا هو الرعب الحقيقي.
الغد