السندات والعقوبات سلاحان قيد المواجهة
د. ماهر عربيات
26-09-2018 12:51 AM
خلال القرن العشرين ابتدعت الولايات المتحدة مبدأ حقوق الإنسان، الذي لم يخلُ من الإشكاليات والجدل حول مضمونه حتى يومنا هذا، وخضعت مفاهيم حقوق الإنسان عبر التاريخ إلى الكثير من التطورات، فهو ليس درسا في الجغرافيا أو التاريخ، أو حملات العلاقات العامة، أوحكاية نرويها هنا وهناك، بل هو ميثاق عالمي، ولغة عالمية مشتركة وجدت للتعبير عن أبسط قضايا العدالة.
هذا لا يعني أن مسألة حقوق الإنسان لا وجود لها، أو أنها لا ترتكز إلى أي أساس كما يردد البعض، لكن هناك توظيفاً سياسياً لمسألة حقوق الإنسان، هذه الفكرة أطلقها الرئيس الأميركي جيمي كارتر في القرن الماضي، مؤداها أن حقوق الإنسان ليست مجرد قيم ومبادئ، إنما سلاح وأدوات للولايات المتحدة، منحها فرصة للتدخل في شؤون الكثير من دول العالم ولا يزال التدخل قائما.
في القرن العشرين أيضا ابتدعت واشنطن سلاحا يعتبر أشد الأسلحة فتكا بالبشرية هو سلاح العقوبات الإقتصادية، الذي بات واحدا من أسلحة الدمار الشامل، القادر على تنفيذ الإبادة الجماعية، ففي أواخر القرن الماضي أنهت تلك العقوبات حياة مليونين من البشر في العراق، وأعادت دولة زيمبابوي إلى عصر المقايضة التجارية.
الولايات المتحدة من أكثر امبراطوريات التاريخ استخداما للعقوبات، وقد أشار الكاتب والباحث الجزائري رضا قردوح في كتابه: العقوبات الذكية، إلى أن واشنطن استخدمت سلاح العقوبات منذ 2002 وحتى 2006 مئة وخمس وعشرين مرة ضد سبع وأربعين دولة.
هذه العقوبات لم تعد تنتمي إلى المعنى الكلاسيكي القديم، بل أصبحت إحدى أدوات الحرب الاقتصادية العملاقة، وأهم أوراق السياسة الخارجية، التي تستخدمها أميركا لتطويع الخصوم، وسلاح دمار شامل، وأصبحت تشكل سلاحا مفزعا في القرن الحادي والعشرين، قد يؤدي إلى هدم دولة أو انهيار اقتصادها أو إسقاطها إذا استخدم بصورة واسعة وعلى نحو مفرط..
العقوبات الإقتصادية الأميركية طالت دولا مثل روسيا وتركيا وإيران والصين وكوريا الشمالية وغيرها. فهل من الممكن مواجهة هذه العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول الأخرى؟ الجواب بالتأكيد نعم.
بعض الدول التي طالتها العقوبات، لديها استثمارات في السندات الأميركية، تتجاوز مئات المليارات، ومن ضمن وسائل مواجهة العقوبات، لجوء الدولة إلى بيع قيمة استثماراتها من السندات أو تقليصها، ورغم أن هذا الأمر سينتج عنه خلل واضطراب كبير في أسواق المال الأميركية، وسيؤدى إلى حالة من الإرباك والفوضى في الاقتصاد العالمي، إلا أن روسيا قامت بتخفيض استثماراتها في السندات الأميركية إلى النصف، بعد فرض واشنطن عقوبات اقتصادية عليها، واتخذت تركيا نفس الخطوة الروسية، وقلصت من استثماراتها في السندات الأميركية، في ظل العقوبات التي فرضت اخيرا عليها، وتوتر العلاقات مع واشنطن.
وتعتبر الصين اكبر دول العالم استثمارا في السندات الأميركية، فهي تملك ما مقداره تريليون ومئتا مليار دولار، واتجاهها نحو التخلص من السندات أو تقليصها سيؤدي إلى إرباك الوضع الإقتصادي الأميركي. كما تشكل الصين الشغل الشاغل للولايات المتحدة بسبب قوتها الإقتصادية الضاربة والصاعدة، والحرب التجارية تتزايد سخونتها بين عملاقي الإقتصاد العالمي، وفي حال استمرار هذا التصاعد فقد نصل إلى تكرار سيناريو أزمة عام 1929.
لا شك أن الأمر بات على قدر كبير من الخطورة أكثر من أي وقت مضى، فهل بدأت الأطراف الدولية اللعب بالنار؟ وهل أصبحت المواجهة بين العملاقين الإقتصاديين شبه حتمية؟
الراي