1 - بوسعنا ان نقول بصراحة، ان الخطر الذي يتعرض له بلدنا لا يتعلق فقط «بعواصف» الاقليم وصفقاته، او فزاعات التطرف والارهاب، اوتحولات «الحلفاء» ومكر الخصوم والاعداء، وانما يتعلق «بالذات» والداخل والنفس، ومالم ننهض لإصلاح هذه المنظومة وبناء مشروعنا الوطني وتحصين جبهتنا الداخلية من الفساد وارتداداته، فان هواجسنا ومخاوفنا من الحاضر والمستقبل ستبقى قائمة، ولن يبددها الاّ «صبر» الناس وتحملهم، هذا الذي نخشى ان ينفد في لحظة لا يستطيع ان يتنبأ بها أحد.
2 - في وقت مضى كانت نماذج «النظافة» في بلدنا تلهم ابناءنا الشباب وتزرع بداخلهم «فسائل» الانتماء والاخلاص ومحبة الوطن، كانت الشخصيات الوطنية التي تعمل في ادارة الشأن العام تمثل منطق النزاهة والثقة والاعتزاز، وهو منطق الدولة الاردنية نفسها، فلماذا تراجعت هذه النماذج واختفت تلك الشخصيات وافتقدنا ما ألفناه في مجتمعنا من قيم واخلاقيات؟
الاجابة بالطبع معروفة، لكن الاهم منها هو ان نبدأ «بترميم» الاخطاء واستدراك اخطارها، وألا نجامل ابداً فيما يتعلق بمصلحة البلد، وألا تآخذنا «العزة» بإلاثم خوفاً وطمعاً.
3 - يريد البعض ان يشطب الاردن التاريخ لكي يستبدله بالاردن الجغرافيا والاردن « المكونات «، ويريد آخرون ان يتحرر الاردنيون الاصيل من «طينتة « التي خرج منها لكي يصبح «هجينا « او مجرد رقم في تعداد سكاني، ويريد طرف ثالث ان نشعر بأننا مجرد «اقلية» تتقاسم مع غيرها من الاقليات ما قدّر لها من نصيب.
4 - الان، حان الوقت لكي يصرخ الاردنيون من اعماق قلوبهم المثقلة بالتعب والعتب والغضب : نحن موجودون في التاريخ وفي الجغرافيا، لا نريد ان نتمدد ولا ان «نتسمن»، نريد ان نحافظ على وطن ليس لنا غيره، ذلك انه من المفارقات ان كل شعب له هوية يتوحد على اساسها، وقضية يدافع عنها، ودائرة وطنية كبرى يتميز بها عن غيره، لكن الاردنيين وحدهم - دون شعوب الدنيا - ما زالون يخجلون من ابراز هويتهم، لانهم حين يقولون نحن اردنيون يتهمون بانهم عنصريون، وما زالوا يبحثون عن قضية توحدهم ومشروع يحتشدون خلفه، لقد حان الوقت فعلا لكي يقول الاردنيون كلمتهم ويعبرون عن انتمائهم لوطنهم واعتزازهم بتاريخهم بلا خوف ولا خجل.
5 - «تعبنا» على مدى السنوات الماضية من «التنظير» في قضايانا، وانشغلنا كثيرا بالحوارات والسجالات واعطاء الوصفات والاقتراحات التي لم يَرَ غالبها النور، وقد حان الوقت لكي نفكر - جديا - بانتاج مشروع وطني جامع، يتغذى من كل مقومات بلدنا وانجازاته، من الفن الذي أهملناه، والأغاني التي تحولت - للاسف - الى وجبة ثقيلة للشحن وادامة «التلبك» الوطني، والدين الذي أصبح خطابه مملا وغير مقنع كما يظهر في أنماط تديننا وخطب منابرنا وعظات بعض «الفاعلين» في مجال الدين، ثم من الثقافة هذه التي تعاني من «فقر» مدقع، ليس فيما يخصص لها من «اموال» وانما فيما تشهده من ضحالة افكار ومن تراجع في الابداع.
6 - أن انتاج أي مشروع وطني قابل للحياة يحتاج الى تجاوز أو وضع المعالجات الحقيقية لأهم القضايا التي تشغل المواطن الاردني وهي: الفقر والبطالة والتعليم والنقل والطبابة، باعتبارها اساسيات لبناء الكرامة والحرية والعدالة، ذلك أنه لا يمكن أن ننتظر من الناس ان ينصهروا في أي مشروع وطني الا اذا انتهوا من تحصيل حقوقهم البسيطة واطمأنوا الى حاضرهم لكي يفكروا في مستقبلهم، واقتنعوا - ايضا - بأنهم شركاء حقيقيون ومواطنون لا مجرد متفرجين.
7 - للاسف، حتى الآن ما نزال نقف على مدرجات «المتفرجين»، بعضنا لا يصدق ما يجري من تحولات في مجتمعنا، وبعضنا لا يريد ان يصدقها، وكل ما نتمناه ان نخرج من دوائر «الانكسار» هذه مهما كانت اسبابها، وان نواجه «حالة» مجتمعنا بما يلزم من اسعافات وادوية «سياسية» ومن استبصار وحكمة، فما نراه ليس «مزحة» ثقيلة الدم كما يصورها البعض، وانما «جدّ» لا هزار فيه!
الدستور