"الوقف التعليمي" .. مبادرة حق ماذا يراد بها؟
د.زكريا محمد الشيخ
25-09-2018 07:12 AM
لا شك بأن مبادرة إحياء مفهوم "وقفية التعليم" التي أشهرت اليوم في العاصمة عمان برعاية رسمية من رئيس الوزراء د. عمر الرزاز ووزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية سماحة د. عبد الناصر أبو البصل هيِ مبادرة مقدرة وغايتها نبيلة وذلك لسعيها إلى إشراك القطاع الخاص وتوجيه قدراته المالية إلى دعم المؤسسات التعليمية وتعزيز مفهوم "المسؤولية المجتمعية" وتحفيز رجال الأعمال للمساهمة في تطوير قطاع التعليم وتوفير البنية التحتية للمدراس وتحسين ظروف الطلبة، لكي يتلقوا تعليمهم في بيئة مدرسية مريحة وصحية تفتح آفاق الإبداع والتفوق لأبنائنا الطلبة.
كما أن فكرة الإستعانة بالعمق الديني الشرعي "الوقف" لتطوير قطاع التعليم هي فكرة "ألمعية" تقف على حقيقة أن إسلامنا العظيم هو دين ودولة، وأنه حل جذري لآفات المجتمع ومعضلاته، وهي رد عملي على دحض دعوات العلمانية المتشددة المطالبة بفصل الدين عن الدولة.. فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان نبيا (قائدا دينيا) وزعيم دولة (قائدا سياسيا) وأقام أول دولة مدنية في تاريخ البشرية في المدينة المنورة والتي أسست على مفهوم المؤسسات والقانون والحقوق والواجبات القائمة على العدالة والمساواة والتعايش وبذات الوقت القائمة على الفضيلة والاحكام الشرعية.
الكلمات التي ألقيت في حفل الإشهار، الذي حضرته ثلة من نخب المجتمع الأردني، كانت عميقة وخاصة كلمة وزير الأوقاف التي جاءت بمضامين هامة في التأصيل الشرعي لمفهوم "وقفية التعليم" كما أحاطت بالحاجة الملحة إلى دعم القطاع التعليمي، إلا أنني توقفت بحذر شديد يصل إلى درجة الإستنكار لما جاء في التقرير التلفزيوني الذي عرض في الإحتفالية والذي حول الفكرة الرائدة لـ "وقفية التعليم" إلى هجوم غير مبرر على المؤسسة الدينية والتعليمية الأهم وهي "المسجد"، فلا يمكن القبول بفكرة أن يقام "الوقف التعليمي" على ركام واطلال "وقفية المساجد" أو أن يستبدل دور المسجد بالمدرسة، فكما ان للمسجد دور فكذلك للمدرسة دور وكلاهما يكملان بعضهما البعض.
إن طريقة الترويج للوقف التعليمي التي إستمعنا إليها في حفل الإشهار لم تكن موفقه بل منفرة لفئة المتصدقين واصحاب الأيادي البيضاء الذين يرجون الأجر والأخرة، فكان بإمكان المنظمين أن يركزوا على أهمية الوقف التعليمي دون المساس بأهمية المساجد ودورها الرائد في المجتمع، فالساحة تتسع للوقف التعليمي والوقف الصحي والوقف للمساجد والوقف لمراكز تحفيظ القرآن الكريم والوقف لدور الأيتام والمعاقين ولكافة الفئات المستهدفه، وبالتالي لا أستطيع أن أستوعب لماذا هذه الهجمة التي لمسناها بجلاء خلال الحفل.
المساجد هي منارات هدى وبيوت عبادة وتعليم ومراكز قيادة وريادة، فالعيب ليس في كثرة عدد المساجد بقدر ما هو في كيفية إدارتها وتفعيل دورها التوعوي والتثقيفي والتعليمي، وتأهيل الأئمة والخطباء والإستثمار فيهم فمن المنابر التي تعد أكثر وسيلة إعلام إنتشارا يمكن أن تعالج الآفات المجتمعية كالمخدرات والإنفلات الأخلاقي وتعزز من خلالها القيم والفضيلة والحث على العمل، فلا يمكن أن تكون المدرسة بديلا للمسجد، فالمدرسة لها دور والمسجد له دور.
كما أن للمدارس دور كبير في تنشأة الأجيال وصقل شخصياتهم وتخريج قادة مبدعين إلى المجتمع وتعزيز المناهج بالمحتوى الديني والقيمي بدلا من محاولات إجتثاث الآيات القرآنية والأحاديث منها بالإضافة إلى ضرورة أن تطلق تلك المناهج العنان للتفكير بدل التلقين، وللأصالة بدلا تغريب الهوية.
إن الحرب التي يشنها التيار العلماني المتطرف على مساجدنا ومحاولة تقزيم دورها القيادي والريادي وتهميش دور الأئمة والخطباء ويكون ذلك متوازيا مع محالاوت إبعاد المتبرعين عن دعمها وتوجيههم إلى وجهات أخرى، وكل ذلك يكون متزامنا مع تغيير هوية شبابنا وسلخهم عن قيمهم وتفريغ المناهج من مضمونها الديني سيكون نتاجه جيل مهرجان "قلق" الماجن ومن قبله مهرجان "الألوان" ومرورا بفرقة مشروع ليلى والكثير الكثير.
نحن ندعم ونقف مع فكرة الوقف التعليمي بكل قوة ولكن ليس على حساب المساجد التي هي بيوت الله على الأرض والتي هي من أهم معالم دولة الهاشمين التي تستمد شرعيتها السياسية من شرعيتها الدينية والعشائرية على حد سواء.
آمل أن يعاد النظر بطريقة ترويج الوقف التعليمي بعيدا عن المساس بالمساجد، وفي النهاية أذكر بكلام الله سبحانه: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ".
ملاحظة: بعد الحفل قمت بايصال مضمون هذا المقال لدولة الرئيس ومعالي وزير الاوقاف.