الذكرى السابعة والخمسون لإعدام مندريس
المهندس حسين منصور الحياري
24-09-2018 06:58 PM
تمر علينا في هذه الأيام الذكرى السبعة والخمسين لإعدام رئيس الوزراء التركي المنتخب شعبياً عدنان مندريس , فبعد انقلاب 7-5-1960واستلام الجيش للحكم في تركيا , جرت محاكمة صورية هزيلة لعدنان مندريس ورفاقه من أعضاء حزبه وحكومته , قرر بعدها المجلس العسكري بقيادة الجنرال جمال كورسل إعدام عدنان مندريس واثنان من وزراءه هما فطين زولو وزير الخارجية وحسن بولاتكان وزير المالية .وتم الاعدام يوم 17—9—1961, في جزيرة امرالي بحر مرمرة بالقرب من مدينة بورصة .
والتهمة الرئيسية التي وجهت لهم هي خيانة المبادىء الكمالية العلمانية والخروج عليها , والإضرار بالجمهورية التركية الكمالية .
تولى مندريس رئاسة الوزراء في تركيا عام 1950 بعد انتخابات شعبية نزيه حيث حصل حزبه الحزب الديموقراطي الذي أسسه عام 1945 , واستمر الحزب بالحكم لمدة عشر سنوات كان خلالها يحصل على الأغلبية في كل جولة انتخابية . وهو أول رئيس وزراء منتخب شعبيا في تاريخ الجمهورية التركية . فتركيا الجمهورية حكمت بنظام الحزب الواحد منذ تأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923, حيث أسس أتاتورك حزب الشعب الجمهوري الذي حكم البلاد 27سنة زمن مصطفى كمال وعصمت أينونو .
وعندما أرادت تركيا الدخول لحلف الناتو فرضت عليها التعددية السياسية والحزبية, وأجريت الانتخابات وفاز حزب مندريس بالأكثرية في ثلاث دورات انتخابية , مما مكنه من إدارة شؤون البلاد طيلة عشر سنوات , وتولى رفيقه بالحزب جلال بيار رئاسة الجمهورية المنصب الرمزي وقتها .
قام عدنان مندريس باتباع سياسة مغايرة لسياسة الاتاتوركيين في إدارة البلاد ,فأعاد الأذان باللغة العربية بعد أن منع لزمن طويل , وفتح مدارس الأئمة والخطباء لتدريس الدين الاسلامي , وسمح للنساء من أسرة ال عثمان الذين قام اتاتورك بسحب الجنسية منهم ونفيهم من تركيا بعد القضاء على الخلافة والسلطنة العثمانية ,وقام بالانفتاح على الدول العربية والإسلامية سعياً منه لإعادة تركيا إلى حضنها الإسلامي . كل هذا لم يعجب الأتاتوركيين العلمانيين . الذين كانت وظيفة زعيمهم أتاتورك الأساسية هي قطع أية صلة لتركيا بالإسلام والمسلمين وعلى العرب بالأخص ,والتوجه نحو الغرب في كل مناحي الحياة وفرض سياسة التغريب على الشعب التركي بالقوة لطمس الهوية الحقيقية لهذا الشي الذي قاد المسلمين لأكثر من اربع مائة عام في زمن الدولة العثمانية , لهذا كله جاء الإنقلاب العسكري ضد مندريس .
وعندما اتبع مندريس سياسة الانفتاح على الإسلام قابله الشعب التركي بكل حب وتعاطف وتأييد وأعطوه الأغلبية لمدة عشر سنين ولولا الإنقلاب لاستمر مندريس بالحكم لسنوات طويلة . لكن وللأسف فإن الجيش المسيطر عليه من الجنرالات الكماليين والعلمانيين ولم يسمحوا له بالاستمرار بالحكم فانفلبوا عليه وسجنوه ثم اعدموه هو ورفاقه .
واليوم وبعد سبعة وخمسون عاما من الإعدام ما زال مندريس يعيش في ذاكرة الشعب التركي بكل تقدير واحترام وخاصة بعد ان قام البرلمان التركي بإعادة الإعتبار له عام 1990, وأمر الرئيس في حينها توركوت أوزال بنقل جثمانه من جزبرة ياسي أضه إلى استنبول وعمل له مقبرة خاصة به مع نصب تذكاري على تلة مرتفعة في منطقة توب كابي , ويزوره سنوياً عشرات الملايين من أبناء الشعب التركي .
في المقابل أين هم الجنرالات الذين اعدموا مندريس الذين ذهبوا لمزبلة التاريخ ولايوجد لهم مكان في ذاكرة التاريخ التركي والعالمي , فليس لهم إلا اللعنة والتحقير من أبناء شعبهم , والذي قام بتسمية الشوارع والجامعات والمطارات والميادين باسم عدنان مندريس تخليداً له , ويقيم الاحتفالات سنويا في ذكرى اعدامه للترحم عليه .
هذا درس بليغ لكل الانقلابيين في كل العالم الذين يسرقون إرادة وحق الشعوب في حكم نفسها وتقرير مصيرها ويلغون هذه الإرادة بقوة السلاح والعسكر, ليعلم هولاء أن مصيرهم لن يكون بأفضل من مصير من أعدم مندريس مهما طال الزمن .ولا بد للحق ان يعود لأصحابه الشرعيين , والقوة الغاشمة لا مكان لها في ذاكرة الشعب وإرادته . وإنما هي فقاعات صابون ثم تزول .