ما بين قرارات الحكومة وردة فعل الشعب
اللواء المتقاعد مروان العمد
24-09-2018 10:40 AM
دار حديث ونقاش كثير في الايام الاخيرة عن قرارات الحكومة وخاصة ما يتعلق بالتعديلات التي اقرتها على قانون ضريبة الدخل . وعن ردود الفعل الشعبية عليها والتي تجاوزت موضوع قانون الدخل لتصل الى كل التراكمات التي حصلت سابقاً اما نتيجة قرارات حكومية خاطئة او نتيجة قضايا فساد قادت البلد الى ما هي علية الآن . وخلال هذا الحوار اكتفيت بالمتابعة وببعض الردود البسيطة في بعض الاحيان متجنباً الحديث المباشر . ولعل السبب في ذلك انني أفتقدت وجود المنطق في هذه الحوارات كما افتقدت روح البحث عن الحلول ، وكل ما وجدتة هو السير نحو المجهول . والاكثر من ذلك احساسي انة لم يعد في الاغلب احد يريد ان يسمع غير صوتة وغير رأية .
ولاني اخذت استشعر خطورة الطريق الذي نسير علية والمصير الذي سنصل الية فقد قررت ان اخوض في غمار هذا الحديث والذي لن ادافع فية عن طرف مهما كان محقاً ولن ادين اي طرف مهما كان مذنباً ، ولا عن اي قانون مهما كان صائباً او خاطئاً . ولكني سوف اشير الى اين ستقودنا تصرفات كل من الحكومة وردود الفعل الشعبية عليها .
واولا بالنسبة للحكومة ، فقد كنت اول المنتقدين لتشكيلتها والتي كان عمودها الفقري من وزراء الحكومة السابقة مع بعض الاضافات التي لم ترقى للمستوى المأمول مع احترامي لشخوصها . ولكني كنت ادرك ان هذه الحكومة وحتى الحكومة السابقة ليستا هما وحدهما المسؤولتان عن الوضع الاقتصادي التي تعيش فية البلد في هذة الايام ولا عن تغلغل الفساد والذي تعود جذورة الى سنوات سابقة وحكومات سابقة . ولكن ما يؤخذ على الحكومة السابقة انها لم تسعى لايقاف الانحدار الاقتصادي او القيام بخطوات لمكافحة الفساد او الحد منة بل انها وفي العديد من الحالات مارست نفس اسلوب الحكومات السابقة .
ثم جائت الحكومة الحالية برآسة دولة السيد عمر الرزاز على وقع الاحتجاجات الشعبية على تعديلات قانون ضريبة الدخل التي تقدمت بها حكومة الملقي وعلى ضوء كتاب التكليف السامي الصادر بتشكيلها والمتضمن فقرة عن ضرورة اعادة النظر في العبء الضريبي وعدم تحميل المواطنين ما هو فوق طاقتهم وما اعلنه الرزار فور تكليفه عن عزم حكومته سحب مشروع هذا القانون من مجلس النواب ولاعادة دراستة ومنافشته ودراسة العبء الضريبي على المواطنين بشكل عام و بما يتجاوب مع مطالب الجماهير .
وقد ابديت في حينها شكوكي من مقدرة الحكومة او حتى اي حكومة قادمة على تحقيق هذة الغاية بعد ان وقعنا لا بل اوقعنا انفسنا بين فكي صندوق النقد الدولي والذي اضيف لاهدافة الضغط على الاردن لتحقيق أهداف سياسية تسعى لتركيعنا وتمرير الحلول السياسية الموضوعة للمنطقة على حسابنا .
الا ان الغالبية العظمى من المواطنين اخذوا بالتمسك ببصيص الامل بأن هذة الحكومة قادرة على احداث نوع من التغيير . وخاصة بناءً على ما صدر عنها من تصريحات تدعوا للامل . ولكن هذة الحكومة اصطدمت بتعنت صندوق النقد الدولي وتمسكة بمشروع قانون الضريبة كما قدمته حكومة الملقي . مما جعل هذة الحكومة تحاول الهروب للامام بأصدار قرارات وتصريحات والقيام بنشاطات يمكن ان تخفف من الاحتقان الجماهيري عليها . الى ان تفجرت في وجهها قضية عوني مطيع ودخانة والتي اشكك بالغاية والتوقيت لتفجيرها بهذة الطريقة وبهذا الوقت بالرغم من انها تعود لاكثر من عشر سنوات سابقة . وقد حاولت الحكومة ان تقدم اوراق اعتمادها مستفيدة من تفجر هذة القضية لتثبت بأنها تحارب الفساد مهما كان نوعة وحجمة والواقفين خلفة . وارتفع سقف التصريحات الحكومية بهذا الخصوص مع تصاعد المعلومات التي تتسرب عن حجم الفساد المتعلق بهذه القضية والشخصيات المتورطة فيها ، حيث توالت بعد ذلك عمليات المداهمة والتفتيش والظبط المترافق مع الحديث عن كميات هائلة من المظبوطات والتي لم نشاهد منها الا عدداً من كروزات السجائر اقل من الموجودة في احدى محال السوبرماركت العادية . كما كثر الحديث عن حجم الفساد في هذه القضية وحجم التهرب الضريبي الناتج عنة من كل من هب ودب والتي قدرها بعض المغردين بعشرات مليارات الدنانير الامر الذي جعلني اتسائل عن حقيقة هذه الارقام . لأن هذه المبالغ التي يجري الحديث عنها من التهرب الضريبي يتطلب ان يكون انتاج مصانع الدخان الغير شرعية يحتاج الى اسطول من عشرات الطائرات بالاضافة الى مئات الشاحنات يومياً لتقوم بنقل وتوزيع هذة المنتوجات في انحاء العالم اجمع وتعاون فاسدين في مختلف انحاء العالم لكي يسمحوا لهذه المنتجات بالدخول لبلادهم وتوزيعها فيها .
لكن الحكومة التي كانت تسعى لعمل يكسبها الشعبية ابتلعت الطعم واخذت تصدر التصريحات تلو التصريحات عن هذه القضية وغلب على هذه التصريحات الكثير من الارتباك وعدم القانونية وليختفي الحديث عن اي فساد آخر وكأنة لا فساد في الاردن الاقضية الدخان ولا فاسد الا عوني مطيع . ثم ليختفي الحديث عن هذه القضية والتي لا انكر وجودها ولكني غير مقتنع بانها بحجم الحديث الذي قيل عنها . ولعل الحكومة قد اكتشفت حقيقة ذلك فسكتت عن الكلام المباح او انها وجدت في هذه القضية اكثر من قدرتها على هذا الحديث المباح ، وقد سبب ذلك خيبة امل شديدة لدى المواطنين وتوقعاتهم من هذه الحكومة . ولعل من بالغ بحجم هذة القضية كان يهدف لتحقيق هذه النتيجة .
ثم جائت الضربة الكبرى عندما لم تستطيع الحكومة التوصل الى تفاهم مع صندوق النقد الدولي ينقذها من تبعات تعديل قانون ضريبة الدخل والانتقادات الشعبية علية فصدر عنها مشروعها لهذا القانون والذي لم يتضمن الا تعديلات طفيفة على الصيغة التي كان قد طرحها الملقي . مما زاد بخيبة الامل لدى الكثير من المواطنين بهذة الحكومة وبقدرتها على تحقيق مطالبهم بالرغم من انها عملت وقدمت اقصى ما تستطيع ان تقدمة وتفعلة في ظل الظروف الحالية .
ثم كان على الحكومة ان تدافع عن قانونها الذي لم تستطيع ايجاد بديل عنة وارتأت ان تخاطب القواعد الشعبية مباشرة لاقناعها بة بالرغم مما يوجد لدى هذة القاعدة من حالة غضب واحباط وخيبة امل . ومع ان مثل هذا القانون لا يجب ان يتم الحوار بة مع عامة الناس بالرغم من انهم المعنيين بة ، ولكن مع اصحاب الاختصاص من خبراء واقتصاديين وسياسيين وقانونيين واقناعهم بة او التوصل معهم الى تعديلات او اجراءات اخرى تحقق هدف الحكومة ولكنها تكون اكثر شعبية .
قد تكون هذه خطوة جديدة وغير معهودة وجريئة من الحكومة وسنة حسنة للمستقبل ، الا ان التطبيق على ارض الواقع كان مأساة كبرى .
فقد كان يجب الاخذ بعين الاعتبار الحالة المالية والاجتماعية والنفسية للغالبية العظمى من ابناء الشعب الذين أكتوا بنيران الغلاء وانخفاض الدخل وقلة العمل وارتفاع الضرائب وقضايا الفساد وعدم جدية الحكومات وتخبطها في معالجة هذه الحالات . وكان يجب ان لا نغفل حالات الشحن المتعمدة التي قامت بها جهات داخلية واخرى خارجية وبعضها بحسن نية وبعضها بسوئها ، وذلك عن طريق نشر المعلومات الخاطئة او المبالغ فيها والاتهامات الغير صحيحة التي كانت توجه لكبار المسؤولين ليس فيما يتعلق بقانون الضريبة فقط ، ولكن بكل الامور الاخرى وحتى السياسية وما رافق ذاك من نشر الاخبار والفيديوهات المفبركة بهدف زيادة الفجوة ما بين المواطنين والحكومة وحتى ما بينها وبين النظام مما ادى الى رسوخ معلومات خاطئة لدى عامة الناس ولكنها اصبحت في وجدانهم حقيقية . وعمق هذا الامر من حالة فقدان الثقة ما بين الجماهير والحكومة .
وفي ظل هذة الاجواء كان قرار الحكومة اجراء حوار مباشر وعلى الهواء مباشرة مابين الحكومة ممثلة بوزرائها وما بين الجماهير ممثلة بمن حضر هذه الحوارات . ولقد تابعنا جميعاً هذه الحوارات والتي كانت نهاية غالبيتها كارثية ابتداءً من حوار مدينة الطفيلة . وقد شاهدنا جميعاً لقطات ومشاهد لهذة الحوارات التي تغنى بها البعض والف بها قصائد المديح ، والتي انتقدها البعض واعتبرها خروجاً على روح الحوار وروح الضيافة وآداب التعامل مع المسؤولين .
وانا لن اعلن انحيازي الى احد الطرفين بشكل مباشر وانما سوف اورد بعض الملاحظات عن هذه الحوارات فقد لوحظ ان معظم من حضر هذه الحوارات هم من الفئة الغير متضررة بطريقة مباشرة بتعديلات الضريبة . وان الغالبية العظمى لم يطلع عليها وليس لدية معلومات عنها وعن مبرراتها . وانهم لم يحضروا لمناقشة قانون الضريبة وانما ليشكوا كل منهم همة ويطالب بانصافة . واصبح الجميع يطالب الحكومة بحل كل مشاكل البلد وتراكماتها على مدى السنوات الماضية فوراً بالرغم من ان حلها يحتاج الى الكثير من الوقت والعمل والكثير من مليارات الدنانير تزيد عن كامل قيمة المديونية التي نرزح تحتها . كما بدا واضحاً ان القلة القليلة التي كانت تتحدث عن قانون الضريبة بدت وكأنها تدافع عن المتهربين ضريبياً من خلال قولهم ان فرض الضرائب العالية عليهم سوف ينعكس على الطبقات الفقيرة على شكل ارتفاع بالاسعار وكأن ذلك نتيجة قدرية وحتمية وذلك نتيجة الحملة التي قادها المتهربين ضريبياً بهذا الخصوص واقنعوا المواطنين بها وبدا الامر وكأنة دعوة لعدم رفع الضريبة على الاثرياء والمتهربين ضريبياً خوفاً ورحمة على الفقراء والطبقة المتوسطة . مع انة كان من الاجدى مطالبة الحكومة بوضع ظوابط بأن لا يؤدي ارتفاع الضرائب على الاغنياء والمتهربين ضريبياً على الاسعار او كلف خدماتهم لان القصد ان يدفعوا هم وان يتحملوا هم هذة الضرائب من دخولهم الفاحشة .
ثم اخذ الحديث يخرج عن ادبيات الحوار لينتهي الامر بطرد الفريق الحكومي وان تم تبرير ذلك بأنهم يطردونهم بصفتهم الرسمية وليس الشخصية ، مع انة كان الاجدى استمرار النقاش معهم وعرض همومهم ومشاكلهم امامهم.
وكان لردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي والتي اشادت بهذا الفعل اثرة في استنساخ هذا الاسلوب في المحافظات الاخرى والبعض منها قام بطرد الفريق الوزاري قبل ان يبدء اي نقاش . اما الحكومة وعلى لسان نائب رئيس الوزراء فقد اعلنت انها اوصلت فيديوهات عما حصل في هذه اللقاءات الى صندوق النقد الدولي عن طريق صديق ، مما يثير تسائلاً فيما اذا كان هذا الامر هو الهدف من هذا الحوار والطريقة التي تم بها .
وفي ظل هذة الفوضى اصبح المطلب الاكثر جماهرية هو الغاء القانون بأكملة والابقاء على القانون الحالي دون ادراك ما قد يترتب على ذلك من تخفيض درجتنا الأئتمانية من قبل صندوق النقد الدولي وما سوف يتبع ذلك من ايقاف المساعدات الدولية عنا وعدم منحنا قروضاً جديدة ورفع اسعار فوائد الديون المعلقة برقبتنا والمطالبة بتخفيض قيمة عملتنا وما يمكن ان يؤدي الية ذلك من انهيار اقتصادي وتحويل الطبقة الوسطى الى طبقة فقيرة والتي سوف تتحول الى طبقة معدمة .
ان الابقاء على حالة حوار الطرشان او حوار قساوسة القسطنطينية على قانون الضريبة سوف يؤدي الى اعلان افلاس الدولة كما جرى اعلان افلاس اليونان سابقاً . ولكن اليونان ولاعتبارات سياسية وجدت من يدعمها من قبل دول الاتحاد الاوروبي بمئات مليارات الدولارات ولكن بالمقابل فقد امتلكوا اليونان ارضاً وشعباً ومؤسسات . ولكن هل نحن سنجد من يدعمنا حتى مقابل شرائنا وهم ما اوقفوا مشاريعهم في الاردن ومساعداتهم لة الا لاسباب سياسية ولكن بهدف تدميرنا .
فهل سندرك انة لا طريق امامنا حكومة وشعباً سوى الحوار ثم الحوار الذي يجب ان ينتج عنة الاتفاق على مواد تعديلات هذا القانون بما يضمن اكبر قدر من العدالة في توزيع اعبائة والتخفيف من آثارة على ذوي الدخل المحدود دون التمترس وراء مواقف مسبقة . ثم بعد ذلك نعطي الحكومة فرصة لفتح جميع الملفات وتصفية جميع الحسابات .
ام سوف ننتظر لنرى دمارنا يحصل امام اعيننا وبأيدينا؟