رغم كل محاولات شيطنة مرحلة الربيع العربي من قبل الأجهزة الرسمية للتعبير عن موقف سياسي معارض لأي تغيير على الآليات الديموقراطية وضمانات العدالة والحرية تتبناه الحكومات في ذلك الوقت، إلا أنها أنجزت في مجال الرأي العام الجمعي ما عجزت عنه العديد من الدول والبرامج والمشاريع من زيادة وعي المواطن العربي السياسي بكل تفاصيله.
أحد الفئات المهمّة التي تعرّضت من ضمن المجتمع لهذا التحوّل في فترة الربيع العربي هي "النخب" والتي كانت الحكومات تعلّق عليها الآمال في أن تكون لاعباً مؤثراً لأجل مصالحها، ولكننا كنّا أمام انقلاب نخبوي مكتمل الأركان ضد سياسات الحكومة شكّل خيبة أمل وصدمة كبيرة للحكومات.
أي حكومة في العالم العربي تسعى لإنتاج نخبها التي تقوم بمهمة أن تكونبحلقة وصل بينها وبين الفئات الشعبية المختلفة، وكل ذلك مقابل امتيازات ومصالح ومنافع تقدمها لهذه النخب "بالقانون"، والتي بدورها تعكسها على هذه الفئات الشعبية على صورة "مكرمات" و "وحدة مقابلة وحدة" و "والله ما قصّر معانا أبو فلان" والتي تقوم بالتحكم بشكل أو بآخر بتصرفات الأفراد سلباً أو إيجاباً اتجاه توجهات وسياسات الحكومة.
فقدان الحكومات لنسبة كبيرة من هذه الفئة والتي كانت تتشكل من خليط نخبوي من مجموعة من النواب ووجهاء العشائر ودكاترة الجامعات ومثقفين ومتنفذين ومتقاعدين حكوميين وعسكريين كشف الحكومة أمام الشعب، وأفقد الحكومة القدرة على السيطرة على ردود فعل المواطنين ناهيك عن قدرتها على شيطنة وتمرير روايتها الحكومية "التسحيجية" للقواعد الشعبية، بل ليس ذلك فقط واجهت الحكومة تحدياً جديداً يتمثّل في تغيير خطوط هذه النخب من الموالاة للمعارضة فتحول بعضهم لمعارضة شرسة ضدّ الحكومة وذات سقف سياسي مرتفع.
كما أنه من الضروري التأكيد على حفاظ بعض أطراف الدولة على نخبها دون تحوّل وذلك يقودنا لسبب يتعلق بحجم المنافع المادية والمعنوية لهم مما شكل لهم دافع وإغراء قوي للبقاء بنفس المربع.
إعادة تدوير المسؤولين و ازدياد الفجوة بين الحكومة والشعب وأزمة الثقة الخطيرة بين الرسمي والشعبي بالإضافة إلى كشف بعض جوانب الفساد في الحكومة وفقدان الحكومة للسيطرة على ردود فعل المجتمع كانت كلها ارتدادات سلبية على الحكومات بما يخص هذا الانقلاب.
ولكن هذا الانقلاب شكّل فرصة كبيرة أمام مكونات المجتمع الحيّة والحراكيين للتعبير عن رأيهم وسط رأي عام ساخط على الحكومة ومعارض لها، وفقدان الحكومة لخطّ دفاعها الأوّل المتمثل بهذه النخب، وتطوير وتنضيج الوعي السياسي لدى المجتمع بصورة أفضل بعد مشاركة هذه النخب، والوصول لخلاصات سياسية أصبحت مربط الفرس في المشهد السياسي بتوافق شبه تام عليها من قبل مكونات المجتمع المختلفة مثل المطالبة بالإصلاح السياسي عبر قانون انتخاب وصولاً للحكومة البرلمانية.
باعتقادي المشروع القادم لإنتاج النخب هو من صنع المجتمع نفسه بما يحمله من وعي وتاريخ وتراكمية سياسية وتحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وبما يحمله من ثقافة وتعليم وحكمة وبعد استراتيجي، فهل ستكون النخب الجديدة أفضل؟!.