اخطر ما في مشروع قانون ضريبة الدخل
د. عادل يعقوب الشمايله
23-09-2018 10:42 AM
تناول العديد من الكتاب بحماس شديد، مشروع قانون ضريبة الدخل بالتوصيف والتحليل والنقد، مما ساهم في زيادة الوعي العام للمواطنين بما يرتبه القانون عليهم من التزامات. كما تفضل من كتبوا في الموضوع، بتقديم نصائح واستشارات مجانية للحكومة على افتراض أن اصحاب القرار يقرأون، أو على الاقل أنهم يهتمون أصلا باراء الناس. وفي واقع الامر، لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك في أكثر من موقف، وأخرها هذا المشروع ، أن كبار المسؤولين يستشيرون أنفسهم فقط لانهم يعتقدون، أن الحكمة تنزل عليهم، فور توليهم المناصب الوزارية، وبالتالي يصبح بغير حاجة لاي رأي اخر، اللهم الا أراء بعض اصحاب المصالح المقربين منهم بشتى انواع الارتباط.
في مقالي هذا أود أن أضع أمام المواطنين وأمام مجلس النواب بعضا من مخاطر مشروع القانون:
1-ان مشروع القانون يعتبر إضافة هامة لصفقات الخصخصة سيئة الذكرالتي تمت خلال العشرين سنة الماضية، والتي مليارات الدنانير من ثروة الدولة. فقد بيعت مؤسسات وشركات واسهم الحكومة بمبالغ رمزية ، ومع ذلك لم يصل خزينة الدولة منها دينارا واحدا.
نصت المادة 35 من مشروع القانون، على مسامحة المكلفين الذين تمردوا على قوانين الضريبة السابقة منذ نشأت الدولة الاردنية وحتى نهاية العام الماضي 2017، من كافة الضرائب المستحقة على دخولهم طيلة تلك الفترة مهما كانت قيمتها وكذلك الغرامات التي يفرضها القانون على المتهربين من تقديم اقرارات ضريبية ودفع الضريبة، شريطة أن يتلطف ويتواضع ويقدم إقرارا ضريبيا لعام 2018. وهذا هو النص: "اعفاء كل شخص لم يقدم الاقرار الضريبي او لم يتم التقدير والتدقيق عليه قبل نفاذ احكام هذا القانون المعدل من الضريبة والغرامات المتحققة على دخله عن الفترات الضريبية السابقة على تاريخ نفاذ احكام هذا القانون في حال التصريح خلال سنة من نفاذ القانون شريطة قيامه بتقديم اقرارات ضريبية عن عام 2018 وعن الفترات الضريبية اللاحقة خلال المدة القانونية" .
كما نصت المادة 35 ذاتها في فقرة اخرى على تفويض المدير العام لدائرة الضريبة إجراء مصالحة على كافة قضايا ضريبة الدخل وضريبة المبيعات المسجلة قبل نهاية العام الماضي اذا دفع المكلف 25 % فقط من المبلغ المتنازع عليه.
النتيجة، أن هاذين النصين يضيعان ما لا يقل عن ملياري دينار على خزينة الدولة لتبقى في جيوب المتهربين المتنفذين الذين لم تجرؤ السلطات الضريبية على مطالبتهم وملاحقتهم خلال السنوات الثلاثين الماضية. هذا النصان يخصخصان أموال الضريبة. وكالعادة ، يلهفها نفس الاشخاص المتنفذين الفاسدين، الذين يدوسون القانون بهواتفهم او بجيبوهم. واكاد أجزم، أن هذا هو الهدف الحقيقي من القانون. هذا يعني ان الفساد المالي سيتم شرعنته منذا الان فصاعدا بقوانين صادرة عن مجلس الامة. عندها لا يستطيع اي شخص أن يثير الموضوع مرة اخرى كما هو حال اموال الخصخصة التي طالت مؤسسة الاتصالات وشركات الكهرباء وغيرها كما هو معروف. على الجميع ان يعترف بالذكاء المتقد لدى مؤسسة الفساد. لقد تم تغريمي مبلغ احد عشر الف دينار العام الماضي لانني لم أقدم كشوفا ضريبية عن شركة اسكان أملكها رغم انني قدمت اثباتات من وزارة الصناعة والتجارة ومن دائرة الاراضي، أنها متوقفة عن العمل منذ عام 2007. اضافة للغرامات لانني لم اقدم كشوف تقدير عن دخلي، رغم ان دخلي الوحيد هو راتبي من الجامعة الاردنية والتي كانت تخصم منه الجامعة شهريا لصالح الضريبة اكثر مما هو مستحق علي ولذلك تحقق لي رديات عند الضريبة. أي أن الضريبة مدينة لي ومع ذلك دفعت غرامات مع فوائدها التي تحسب على اساس اسبوعي. هذا مجرد مثال يبين، كم ستجمع دائرة الضريبة من اولئك الذين يملكون دخولا عالية وشركات عاملة رابحة ولم يقدموا كشوف التقدير عنها. كما مليارا ستقدم لهم الحكومة التي يصرح وزير ماليتها انها عاجزة عن دفع رواتب الموظفين.
الفقرتين التاليتين للمادة 35 نفسها لا تعفيان من سبق وان قدم اقرارات. اي محمد يرث ومحمد لا يرث.
ثانيا: يدق مشروع القانون مسمارا اضافيا في نعش القطاع الزراعي الذي ما فتأت الحكومات المتعاقبة تحاول ذبحه، مع انه يمثل القطاع الانتاجي الاصيل في الاردن بسبب فشل القطاع الصناعي في التطور الى مرحلة الانتاج الذاتي الاصيل، اذ ان معظم الصناعات الاردنية تقوم بتجميع الاجزاء والقطع المستوردة من الخارج بهدف التهرب من الضريبة والرسوم الجمركية.
ثالثا: يمثل مشروع القانون زيادة في نسبة الضرائب غير المباشرة التي يتحملها المواطن الاردني. ففرض ضريبة ثابتة بنسبة 20% على كافة الاشخاص الاعتباريين بما فيهم القطاع التجاري يمثل في واقع الحال زيادة لضريبة المبيعات من 16% الى 36%. لانه سيتم نقل العبء الضريبي على المستهلكين باضافة الضريبة المعلومة مسبقا الى قائمة النفقات والمصاريف.وهذا يكذب مزاعم الحكومة بانها تريد تقليل الضرائب غير المباشرة. ومن المعلوم، كما اوضحت مرارا في مقالات سابقة، ان الضريبة غير المباشرة تمس الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة اكثر من الطبقة الغنية، ولذلك فهي ضريبة غير عادلة.
رابعا: يكافئ مشروع القانون بنوك العائلات الاردنية على ما تقدمه من قروض للحكومة، رغم ارتفاع نسبة الفائدة التي تدفعها لها الحكومة. كما يكافئها مشروع القانون على ما تقدمه من قروض وتسهيلات ومنح لكبار متخذي القرار بدون فوائد او بفوائد رمزية. فعلى الرغم من ارتفاع نسبة ارباح البنوك كما تظهرها ميزانيات البنوك التي تنشر في الصحف سنويا، والناجمة عن الفارق الكبير والمبالغ به بين الالتزامات الادارية والتشغيلية والفوائد المدفوعة على الودائع من جهة، وما تتقاضاه من فوائد من المقترضين من جهة اخرى، فان نسبة الضريبة على البنوك اقل مما يجب. اذ لا يجوز أن تقل عن خمسين بالمائة. ان هامش الربح العالي الذي تحصل عليه البنوك، بتواطأ أو توافق مع الحكومة، انما يمثل نوعا اضافيا من انواع الضريبة غير المباشرة على المستهلكين. اذ ان كافة المستثمرين يضيفون قيمة الفوائد التي يدفعونها للبنوك الى باقي الكلف ليتوصلوا الى سعر البيع، مما يرفع سعر البيع على المستهلك، وبالتالي فان المستهلك هو من يدفع الفائدة وليس المستثمر.
خامسا: ان مشروع القانون يعارض النص الدستوري بمراعاة القدرة على الدفع عند المكلفين. ان تحديد مبلغ موحد كأعفاء من الدخل سواءا للشخص الاعزب او المتزوج يتنافى مع مبدا العدالة الافقية المعروف في علم المالية العامة. والذي يعني معاملة المتساوين معاملة متساوية. أين المساواة في مشروع القانون بين عائلة تتكون من فردين وعائلة تتكون من سبعة؟ بين عائلة تمتلك بيتا وعائلة تستأجر سكنها، او تدفع اقساط قرض سكني مع فوائده؟ بين عائلة لديها مرضى وليس لها تأمين صحي وتتعالج لدى القطاع الطبي الخاص المكلف وعائلة اخرى وضعها سليم، أو لديها تأمين صحي؟ بين عائلة تدرس ابناءها في مدارس خاصة مما يخفف العبء عن خزينة الحكومة وبين عائلة ليس لديها احد في المدارس، او يرتاد ابناءها المدارس الحكومية المجانية؟ بين عائلة يدخل ابناءها الجامعات بموجب واحدة مما يسمى بالمكرمات او البعثات، وعائلة تدفع الاف الدنانير رسوما للجامعات الحكومية التي سبق ولا زال المواطنون يدفعون مئات الملايين من الدنانير كضرائب سنوية مخصصة في القوانين والانظمة للجامعات ولكنها لا تصلها بل تبقى في جيب الحكومة، مما يضطر الجامعات لاستيفاء رسوم مرتفعة لتمويل نفقاتها. والامثلة على الفوارق بين الاسر كثيرة.
سابعا: إن ضريبة التكافل الاجتماعي تطبق المثل القائل " من دهنه سقيله". اي أن مسؤولية رعاية الفقراء لم تعد مسؤولية الحكومة تغطيها مما تجبيه من عشرات الانواع من الضرائب والرسوم والرخص والغرامات، بل هي مسؤولية المواطنين. هذا تهرب من المسؤولية، كما أنه يثير الشكوك والتساؤل عن مصير ما يدفعه، دافعوا الضرائب.ِ