أوسلو خيانة العاطفي المتواطئ
عيسى أبو جودة
23-09-2018 02:16 AM
وجدته يقلب كفيه على ما أضاع مجنون القرية قدر المستطاع وبملئ شفتيه الناتئتين يضحك حتى إذا ما انتهى يقلبها أكمل الغناء، هذا ما تبقى من أسماء/طاحونتا هواء في غمرة الحلق وشجرة لوز خضراء منسية على ناصية المساء/ إني أكاد اسمع ضحكات الجنود تساوم صدف الليل القليل على فخذ ذو ظل ظليل/ منها الحمراء والصفراء والأخرى اللبنية الزرقاء/إني أكاد أسمع سقوف الصفيح فوق شبهات الليل الصريح تقطر ودونما انقطاع ماء، ماء، ماء.
ويكمل من حيث انتهى، لعمري كم ثقيل هذا الخراج/ فما أن يفرغ الكحل من قمره ضيق الفضاء/ حتى يضج الفخذ المقطوع فوق الرصيف/مرة أخرى! /كم هو وقح ازدحام الليل على طرف الزجاج. وجدته يفرغ خزان الليل متواريا خلف معطفه حتى إذا ما انتهى تابع الغناء، كفاك أي بني! أما استحييت من رب وسماء/ أما أعياك انكسار الماء فوق الفخذ المقطوع والقافية الحرير كثنايا الخميل وأنا لا أملك من عتاد الليل سوى القليل/ أفكلما انتصب وقع/ أفما أعياه انتصاب ولا وماء. وفيما هو كذلك حتى رأيت أحد الجنود ما انفك يراوده حتى إذا ما سال من البنفسج ما بين الرمانتين ماء انتبه/ غير أنها حاولت وبما تيسر أن تخفي ما ضاق منها على الرصيف بكلتا اليدين فما استطاعت حتى انهال يصرخ ودونما انقطاع ماء، ماء، ماء.
فما أن تناها إلى مجلسه مقلبا كفيه بين الفينة والأخرى حتى عاجلته بالسؤال، فيك شيء من رائحة الخيول! قال: إني ولدت لكي أقضي حاجتي في الحقول. قلت: ولكن لماذا أنت خارج الفراش؟ قال: آنئذ كان يغريني فيك البندقية ولم تعد تغريني فيك الدولة المدنية، لوحة إعلان ورصيف وإشارة ضوئية، إذا ما كان لا بد من وطن فليكن هادئا قليل الكلام. كان قد ساد صمت ليس قبل أن التفت قائلا: كأن كلب يعوي! واستطرد قائلا: لا بد أنه أحد ملوك العبيد سقط في الطريق إلى المخيم الجديد. ويضحك من فرط المصادفة حتى إذا ما بكى قلت: أرى أن هذه الجبة ثقيلة، أتراه الشوق لمطر استحال رذاذا! قال: كم كانت تحب اللوز المبلل بالمطر حتى أنها مرة نسيت سروالها في جيب معطفه ويضحك من فرط المساورة أو هي المناورة. قلت: ولكن من أين لك هذا الإيقاع واللغة الطيعة؟ قال: حلمت البارحة بأني أقتل، فما أن أخذ التعب برأس قاتلي حتى شد ركبتيه للرصيف وأشعل سيجارة، كان كلما انتهى عاد من حيث بدأ، حتى إذا ما انتبه أخذ يخلصني من خاتم كنت قد أحكمت قبضتي على ما فاض به من لغة وذاكرة، حتى أني سمعت قاتلي يقول على الرصيف مرة ما أضحكني، كان يقول : سأبيعه وأشتري لي بثمنه لغة، سأصير شاعرا لكي تحبني نادلة الليل جوليا مرتين. قلت: ولكن إلى أين وهو يهم بالوقوف على إحدى الركبتين؟ قال: إنها حاجة الغيم من إحدى النخلتين.
فما أن أدار ظهره لسور البحري حتى فك ما علق على سحاب البنطال من سحاب وماء وبال من فرط اللغة. كان كلما انتهى عاد لغنائه القديم، إني أكاد اسمع سقوف الصفيح تقطر ودونما انقطاع ماء، ماء/ ما هي إلا طلقة كانحناء السروة في الريح/ ما من خوف بيد إنها هدنة الذراع الجريح/ كعواء كلب على طاحونة ماء/ يحسبه الظمآن ماء/ كنجم الظهر ما بين جفني عاشق إذا ما لمع حلم ألح بالنداء ماء، ماء، ماء.
هذا الله إذا تداعت الأرض نادى(لا والقلم)/ وهذا أنا فيما تبقى من وقت وكلم/ أنا واحد في اثنان/ أنا الولد الذي عب الشرفة برئتيه ووقف على رؤوس أصابعه يستدرج المستحيل أو يستشرفه سيان/ كالنحاس/كلما اقترب ابتعد وكلما ابتعد رن من مساس/ صبرا/ كفر قاسم، دير ياسين، شاتيلا.
فما أن راح يتهادى إلى مقعده حتى إذا ما جلس قال: كنت أحسب أن الأرض أضيق من أن تتسع لمنفي آخر يشبهني، فأضحك كثيرا إذا ما استيقظت صباحا لأدرك بأني أنام على قدم واحدة واسترسل قائلا: إن الأرض لم تعد تعبأ بحقائب الذات بقدر ما باتت تعبأ بحاملات الطائرات، فيما مضى كان لنا وطن، لم يضيق يوما بجيب مقاتل يحتل قلعة سياحية، ليس بعدما صار المقاتل دبلوماسيا، دبلوماسيا يشبه إذ ذاك الذي فشل في اللحاق بقطار بورستار الذي يربط ما بين لندن وباريس واختار التوجه إلى نيويورك لتناول وجبة مكونة من كاري الدجاج. كان فيما مضى يسقط الجندي دون ذراعيه، صار الدبلوماسي يسقط دون رئتيه ويضحك من فرط المساورة قائلا : تبقى جعبة المقاتل ملأى بواحدة من رسائل الخلاص، فيما جعبة الدبلوماسي لا تزال ملأى بتأتئات التناص. إن النهر في مخيلة المقاتل بوصلة وطريقة فيما ذات النهر في مخيلة العاطفي المتواطئ لا يتعدى كونه خريطة وتميمة،،،، أوسلو لم تكن سوى قبلة القاتل للقتيل، مفاوض يراود سروال جندية فوق حبل الغسيل......
ما ضاقت الأرض يوما بعصفور الشمس بقدر ما راحت تضيق به طواحين الهواء هذه الأيام. قلت: في يديك قمر لا ينام! قال: لأن المسافة ما بين النوافذ في وطني لا تتعدى كونها مخازن لشعير وطنية. وهو يهم بالابتعاد قال: إن الوقوف بمنازل العراة ضرب من قلة الأدب أيا كانت الجهة وأيا كان السبب. قلت: ولكن إلى أين وكل الجهات مدفوعة الأجر، متواطئة و خائنة؟ قال: إلى مكان يليق بموتي على أن أكون واقفا، أنا ميت غدا صباحا بعدما نجيت البارحة مرتين ولا أحسبني غدا سوى قتيلا/ صبرا، كفر قاسم، دير ياسين، شاتيلا.