رحل عنّا ذلك الصديق الأنيق في الكلمات والهندام، صاحب الصوت الجهوري الذي يملأ القلوب قبل الآذان، والضحكة الساخرة التي تنطلق في وجه الدنيا كلّ ما استمع إلى أخبارها العبثية، وقبل ذلك كلّه وبعده أيضاً صاحب القلم النادر في النوعية الفائقة الجودة.
ولست أعرف لماذا يرتبط اسم محمود درويش في ذهني، كثيراً، بصديقي خيري منصور، الفلسطيني الذي وزع دير الغصون على بيروت وبغداد والقاهرة وعمان، وقد يكون ذلك لأنه حين فاز بجائزة القدس التقديرية، وكرمه راحلنا وأستاذنا محمود الشريف كان درويش يفاجئنا بأنه لن يستطيع مجاراة خيري بارتجال الكلمات.
خيري فاز أيضاً بجائزة منتدى دبي للصحافة لأفضل مقالة عربية، وذلك لأن هناك مئات الآلاف يقرأون له يوميا، ويتأملون كلماته، ويضعونها في قلوبهم وعقولهم ولا أظن أن هناك من كان أسعد من قاع عمان بفوز خيري، فوسط البلد ظلّ عالمه الكبير، ومجاله الحيوي:
من مطعم القدس الذي يقدم له وجبته الرئيسية، الى صديقه عمران الذهبي ومحل الساعات الشهير، حيث القهوة وحديث الاشاعات، الى محلات “الانتيكا” التي تعرفه مشترياً مزمناً لأشيائها القديمة، إلى سائقي التاكسي الذين فضلهم على السيارات الفارهة، إلى حسن أبو علي الذي يقدم له كتاب اليوم.
رحل عنّا الغالي ابن قرية دير الغصون خيري منصور الذي بكينا معه، محمد الخطايبة وأنا، ليلة سقوط بغداد التي عاشها وعشقها، وبدأت رحلة موته منذ تلك اللحظات المشؤومة.
السبيل