هوامش على حديث الرزاز عن الانتقال من الريعية الى الإنتاج: ما هي خطتك يا دولة الرئيس
فتح رضوان
20-09-2018 07:40 PM
في هذا العام قدرت الموازنة الأردنية إجمالي النفقات بنحو تسعة مليارات دينار بارتفاع مقداره نصف مليار دينار وتوزعت بواقع ثمانية مليارات دينار للنفقات الجارية وأكثر من مليار بقليل للنفقات الرأسمالية ومن هذه النفقات تأتي حوالي أربعة مليارات دينار على شكل رواتب قطاع عام.
دعونا نبسط مقولة دولة رئيس الوزراء في حديثه لرموز الحراك حول الانتقال من الريعية الى الإنتاج فلو قلنا أننا نريد بناء عمارة ثم جاء خبير ما مدعيا بأن تكلفة القواعد والمواد والإنشاء والتشطيب لهذه العمارة مائة ألف دينار وقدر تكلفة أجور العمال والمهندسين الذين سيقومون بالبناء بسبعمائة ألف دينار – هل سيصدق أحد ذلك – سينقسم الناس حول هذا الخبير الى ساخر وغاضب وساخط ، الخ. ، هذا لا يعني أن ثمن المواد الداخلة في بناء العمارة أغلى من وقت كادر البناء ولكن تصنيع المواد الداخلة في بناء العمارة استهلك من المصنعين أضعاف وقت الكادر الذي قام بالبناء ومن هنا جاء فرق التكلفة وبالنتيجة من يجني الثروة هو من يصنع وليس من يستهلك. هذا المثال يوضح حال الموازنة والنفقات الجارية والإنفاق الراسمالي ، رئيس الوزراء يقول بعبارة أخرى أننا ندفع رواتب دون أن نحصل على إنتاج.
تخيلوا لو عكسنا الأرقام أعلاه بحيث أصبحت النفقات الجارية مليارا واحدا والنفقات الرأسمالية ثمانية مليارات، عندها ستكون النتيجة ما يلي:
- البلد الأسرع نموا في العالم.
- الرعاية الصحية أروع ما يكون.
- البطالة صفر.
- البنية التحتية في حالة ممتازة.
- النقل يضاهي أرقى الدول.
- كل مزايا الاستثمار المحلي والأجنبي متوفرة.
نعود بالذاكرة قليلا الى عهد الحكومة السابقة عندما اعتبر رئيسها الملقي أن الوظيفة الحكومية معونة وطنية، ربما خانه التعبير وتعرض حينها الى موجة من الانتقادات ، ولكن دولة الرزاز استخدم ألفاظا أكثر دبلوماسية.
لكن سؤال المليون يا دولة الرئيس هل يمكن أن تبدأ خطة الانتقال من الريع الى الإنتاج بقانون ضريبة مرفوض شعبيا ليس على خلفية القانون ولكن على خلفية خبرة الناس مع من سبقك منذ العام 1989، حيث قال جميعهم ما قلته بصيغة أو أخرى ولم يزدد الحال إلا سوءا.
الخلل لدينا في الأردن أصبح بنيويا في تضخم وظائف القطاع العام قياسا بما يقدمه من خدمات في ظل انكماش واستضعاف القطاع الخاص لدرجة انعدام الثقة في مواطن ومواقع كثيرة بين موظفي القطاع العام والقطاع الخاص أو بين المواطن وموظف القطاع العام وأحيانا نفقد العدالة بينهم فالجميع مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وتوفير الحياة الكريمة لكليهما من واجبات الدولة.
ما سر الهوة بين الإثنين – هذه الهوة التي تختزل كثيرا مما نتحدث عنه من الترهل الإداري والمحسوبية والواسطة والفساد وقلة إنتاج الموظف العمومي دون المساس مطلقا بالمخلصين منهم والذين يستهلكون حتى أوقات راحتهم لخدمة المواطنين.
إن قلة الوعي والخبرة أورثت قطاعا واسعا من موظفي الخدمة العامة ثقافة خاطئة لدرجة الاستعلاء على المواطن وعدم وضع الحقيقة نصب العين أن من يطلب الخدمة هو من يدفع راتبك يا موظف القطاع العام. ربما أفلحت بعض الأجهزة ولا سيما الأمن العام والدفاع المدني في بناء كوادر مدربة ومستنيرة وتوفر للمواطن خدمة سريعة وعالية المستوى ولكن هذا لا ينطبق على عديد القطاعات ولا سيما للأسف حين تتداخل الصلاحيات وتضيع المسؤوليات بين مختلف الدوائر فالكل يلقي باللائمة على الآخر.
هناك عديد القضايا التي تمس معيشة المواطن أو القطاع الخاص بشكل مباشر وفي نفس الوقت لا يشعر فيها بالمعاناة موظف القطاع العام فمخالفة مواطن على تعدي أنظمة وقوانين قد تكلفه قوت عياله يوما أو أسبوعا أو شهرا أو قد تقضي على مهنته وفي نفس الوقت لا يخسر موظف القطاع العام شيئا فراتبه آخر الشهر مضمون فعلى سبيل المثال قد توقف دورية الشرطة البيئية سائق بكب قديم يعتاش منه في نقل بضاعة أو ممارسة نشاط معين ينبعث من هذا البكب الدخان، في هذه الحالة من حق الشرطي أن يخالف هذا المواطن بموجب التعليمات ولكن لو كان المواطن المسكين الساعي على رزق عياله قادر على أن يركب بكب موديل سنته هل كان سيضن بذلك، بشكل مختصر كل من يعمل بمهنة او حتى صاحب المصلحة الخاصة قد لا يكون قادرا على تحقيق كل الأنظمة والتعليمات والقوانين ولكن ذلك آت من عجز مالي وكساد وقلة حيلة لا يشعر بها موظف القطاع العام فمعظم المواطنين الذين يجلبون للميزانية حوالي 80% من قيمتها بسطاء وفقراء وهم من ينفق على موظفي القطاع العام فهل يشعر موظف القطاع العام أن هذا المواطن الواقف أمامه ليجدد رخصة أو يدفع مخالفة مكرها هو وأمثاله هم من ينفقون على الحكومة.
ما يعانيه المواطن في بلدنا أن الشعور بالامتنان بين فئات المواطنين معكوس فكثير من موظفي القطاع العام لم يتدرب على أن المواطن هو من ينفق عليه وأن الموظف العمومي في الدول المتقدمة هو أكثر كفاءة بكثير من موظف القطاع الخاص لأن مسؤوليته عظيمة فتنمية القطاع الذي يعمل فيه الموظف العمومي ومن يقع تحته من دافعي الضرائب هو واجب هذا الموظف فأداء هذا الموظف لواجبه على أكمل وجه هو أكثر إلحاحا من تأدية القطاع الخاص لواجباته فتقصير موظف في القطاع الخاص ينعكس بشكل أساسي على مصلحته أما تقصير موظف القطاع العام فقد يعيق مسيرة قطاع وحسب درجة هذا الموظف.
لذلك نقول أنه ما دامت الرواتب والنفقات الجارية على من يقبض الرواتب هي أعلى من النفقات الرأسمالية التي تعني توسيع البنية التحتية وتوفير ظروف الاستثمار الآمن ودعم قطاع الأعمال – ما دام الأمر كذلك فالوضع الاقتصادي والأمان الاقتصادي سيستمر في تدهور ما لم تحدث معجزة.
لا نستطيع الإنكار أن هناك الكثير من العمل باتجاه تطوير الأداء الحكومي ولكن هذا التطور والتطوير لا يشعر به إلا من يتعامل معه ولكن المواطن الذي يواجه مشكلة السكن والمواصلات والتعليم والصحة وتوفر البنى التحتية سيبقى في دوامة الشعور بالتردي في كل اتجاه.
ما سردناه أعلاه هو جزء هام من رفض المواطنين لضريبة الدخل الجديدة فالمواطن المسكين يشعر أنه بقرة حلوب لمن يقبض دون عناء.
لن يستطيع رئيس الوزراء ولا أي رئيس وزراء أن ينقلنا من الريع الى الإنتاج بمفرده ولا حتى مع كادره من الوزراء إلا إذا كان معه عصا موسى عليه السلام.
المواطنون ليس لديهم مشكلة مع شخص رئيس الوزراء ولا مع أشخاص الوزراء- المشكلة أن الوزارات المتعاقبة تعيد تجريب المجرب.
لا يقبل أحد من المواطنين إقالة جزء من موظفي القطاع العام لينصلح الحال ولكن المطلوب خطة إنقاذ وطني يشترك فيها الجميع ومعلنة بكافة التفاصيل حتى تنقلنا من الريع الى الإنتاج وإذا لم يشترك في تنفيذ هذه الخطة كل أردني بالغ عاقل سواء داخل الأردن أو خارجه لن تنجح الخطة فالموضوع ليس تحدي شخصي يمارسه رئيس الحكومة ويتعهد بالنجاح فيه – إذا كان الموضوع تحدي شخصي فالنتيجة معروفة لدى الشعب بخبرته مع الحكومات المتعاقبة منذ العام 1989.
الدستور الأردني وما هو موجود على رفوف الوزارات يا دولة الرئيس يصنع بلدا بمواصفات سويسرا والمواطن الأردني أذكى مما يتخيل أحد وأقدر مما يتخيل أحد ولكن الضرع جف والجيوب فرغت فمن أين يعطيكم المواطنون أكثر.
في الخلاصة نقول كما يقول كل الناس وعلى الفضائيات وفي كل مواقع التواصل الاجتماعي: الأمكانيات الآن ليست موجودة في جيوب المواطنين ولكنها موجودة في موارد الأردن المهملة وفي جلب الأموال المنهوبة وفي إدارة الأزمة بطرق غير تقليدية وفي تفعيل موقع الأردن الجيوسياسي وفي طمأنة رؤوس الأموال المهاجرة كي تعود وفي إيجاد كل متطلبات ومحفزات الاستثمار الداخلي والخارجي عندها يا دولة الرئيس ستكون في قصر طائر ولن تضطر عندها أبدا أن تقود طائرة خربانة.