الإبداع .. وغياب المبدعين
د. هاشم المشاعلة
20-09-2018 03:38 PM
النمطية والتقليد والتكرار والنقل والاتباع, وغياب الابتكار والتجديد، ظاهرة لا تخطئها العين في مجتمعاتنا العربية في شتى المجالات؛ وما تفشت هذه الظاهرة إلا نتيجة غياب الأفراد المبدعين القادرين على التأثير في المجتمع وتحريكه وتوجيهه التوجيه السليم.
فالإنسان المبدع يحمل بداخله طاقة إنسانية وذهنية وفكرية وحسية متوقدة تجعله دائماً ثائراً ومتمرداً على الواقع بما يحويه من تقليدية وفوضى وركود وخمول وسلبية ولا مبالاة.. لا يفتش عن الحلول المتاحة أو الواقعية، وإنما يغوص في أعماق الإنسان والمجتمع مسلطاً الضوء على حقيقة كل منهما في محاولة لرسم تصور لعالم جديد يحطم كل تناقضات وعيوب العالم الذي نحياه ساعياً إلى تغييرها.
وهذه التجربة الانسانية التي يعيشها المبدع مع الواقع ويغوص في أعماقها ليستخرج منها ما هو جديد ونافع للانسانية؛ هي أساس الإبداع. فالإبداع هو الخروج عن المألوف والتخلص من سمات الواقع التي لم يعد لها مدلول واقتحام طرقاً لم يرتدها الإنسان من قبل لفتح آفاقاً جديدة أمام الإنسانية، مهما واجه من متاعب أو عوائق أو مثبّطات، في إطار القيم والمعتقدات السليمة.
وفي ظل المتغيرات العالمية المتلاحقة التي نشهدها حالياً؛ لا مجال للخمول والسكون والركون إلى مسلمات الواقع، وإذا ما أردنا أن يكون لنا مكان في هذا العالم فعلينا أن نصنع الإنسان القادر على الإبداع والابتكار وامتلاك الوسائل لمواجهة التحديات الحضارية وخلق مجتمع له هويته وسماته المميزة له.
ولثقة القوى الاستعمارية الجديدة في أهمية الإبداع كأساس للتطور والإصلاح، فإنها لا تألو جهداً لتغييب عقول مجتمعاتنا وإفراغها من كل مضمون ثقافي أو حضاري، وإغراقها في فراغ فكري تعجز معه عن الإبداع في أي مجال و تتحول إلى مجرد آلات بلا هوية.
علينا أن نعي أنه لا سبيل للحديث عن النهضة والتطور والإصلاح دون البحث في الطرق والوسائل التي تزيد من القدرات الإبداعية للانسان العربي.
فالمبدع بما يملكه من وضوح الرؤية ومن سمات إبداعية هو القادر على تغيير مفاهيم الواقع و تحسينه إذا ما تهيئ له المناخ الملائم لاستغلال الطاقات الكامنة لديه وتفجيرها لصالح المجتمع. وهذا يتطلب منا الوقوف على ظاهرة غياب الإبداع والمعوقات التي تقف حائلاً دون تفجير الطاقات الإبداعية في الإنسان العربي والتي من أبرزها:
- الانبهار بالحضارة الغربية الحديثة دون التأمل في أسباب نهوضها.
- ضعف البنية الثقافية لمجتمعاتنا واتساع الهوة الثقافية ما بين المبدع والمتلقي.
- تدني المستوى التعليمي للفرد نتيجة فشل وتخبط السياسات التعليمية التي تعتمد على التلقين وتفتقد إلى تشجيع
الإبداع والابتكار.
- غياب الديمقراطية بمفهومها الصحيح وضيق مساحة الحرية المتاحة للإبداع.
- تفشي العديد من الظواهر السلبية في مجتمعاتنا العربية كالاعتماد على الغير، والخمول، والركون إلى التعايش مع معطيات الواقع ، والسلبية، واللامبالاة في التعامل مع القضايا المختلفة الحيوية.
- التفسير المغلوط لدى بعض المبدعين لماهية الإبداع ومعاييره وضوابطه والأهداف المرجوة منه.
- تخلي الإعلام العربي عن دوره الحضاري والثقافي، وتوجيه الاهتمام لجانب المتعة والترفيه.
- غياب الدعم الحكومي وعدم اهتمام الحكومات والهيئات ذات التمويل بالإبداع الإيجابي.
- الفساد الإداري الضارب في معظم المؤسسات الحكومية والذي يؤثر على التوجهات الفكرية لتلك المؤسسات.
- العديد من الموروثات الاجتماعية الخاطئة كرفض كل ما هو جديد، أو إقران المستوى الإبداعي للفرد بالمستوى التعليمي، أو الحكم الإنفعالي على التجديد.
- الاستغلال السيء والسلبي لوسائل التكنولوجيا الحديثة نتيجة غياب الوعي الجماهيري.
- ضعف اللغة العربية وغياب الهوية الثقافية والحضارية التي تميز مجتمعاتنا.
إن الإنسان العربي هو الثروة الحقيقية التي علينا استثمارها ، وخلق انسان مبدع ورعايته وتهيئة المناخ الملائم لتفجير طاقاته الإبداعية؛ هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحضارية التي نعيشها، وبناء حضارة قوية بما يليق بأمتنا وتاريخنا.