الرّزاز وعلاج التشوهات الخلقية
د. نزار قبيلات
20-09-2018 03:20 PM
باكتراث كبير بات رئيس الوزراء متاكداً من أن سحابة التفاؤل التي رافقته حِيناً بدأت تنقشع، وأنّ الضوء الأحمر بات يُحيق بمكتب الدكتور الرزاز بعد أن أدرك في أقل من عطوة وأبعد من مئة يوم أنّه دخل فعلا دُوارا رابعا لا مخرج منه، فالرجل مندهش وهو يرى فريقه يغرق في حوامة حلقات النقاش البعيدة عن المركز التي أفضت بطبيعة الحال إلى لا شيء، وهو الذي كان يؤمل ان تفضي هذه اللقاءات الاستثنائية إلى شبه قبول ليقر بموجبه قانون الضريبة الذي جاء الرزاز على وقعه إلى سدّة الرئاسة، بيد ان ما يفعله الرجل اليوم يشبه إلى حدّ كبير سماح مريض عليل لطبيبه العجل في أن يناوله الجرعة الأخيرة قبل الغيبوبة، لقد كان وجه حين تزاحمت الكاميرات لالتقاط صور له تَشي بأنه طبيب جرّاح أخذ يعالج كبد البلاد واقتصادها بالضّمادات وحبوب المسكن.
لم يدر بخلد الرئيس الذي جاء من منصة التنوير والتقدمية أن أدواته وعدّته وأساليبه الناعمة غير قادرة على التقاط حتى شوكة في كفّ طفلة ناعسة، فالرجل توهم للحظة بأنه جاء من خندق محترف في محاربة الفكر الرجعي والنزوع نحو التطرف وتحقيق المواطنة الصالحة وإصلاح التعليم و... ليكتشف أن سَن هذا القانون من قِبله سيقتل طموح جيل أردني شاب جلُّه يرتهن للصراف الآلي آخر الشهر.
الرزاز هو الرئيس الوحيد الذي رافقته نسائم أمل تشي بأنه قادر على أن يريح ريق الأردنيين من الحديث عن الفساد والفقر و التغول على مصادر البلاد، غير أنه يشاهد وهو يتعثر ويطيل الوقوف أمام ملف الضريبة الذي ودّ لو أنه اختفى عن طاولته، طاولته التي لا يستمع عليها الرزاز إلا لدقات قلبه الحائرة أمام توسع دائرة الرفض واقتراب طائرته من الارتطام بالحائط.
قبل هذا الملف كان الرجل مرتاحا للصورة الذهنية التي دبغت أذهان الأردنيين عنه، فهو بالفعل حضاري في طرحه، مريح في طلّته، فقد اجتاز اختبار الانطباع الأولي بنجاح، كما ان له سيرة مهنية لم يحدث أن افتخر بها أمام موظفيه أو مقربيه، على أن هذا لا يعيبه وهو يتمثّل الحوار كأداة ديمقراطية تقريبية، غير أن سؤالا وجيها يبدر هنا حول قيمة الحوار هذا ما لم يكن سويا وعقلانيا، فمن أبجديات المحاججة و التحاور أن تقدم طرحا استثنائيا لجمهورك الذي كف فراشه عن الرابع على مضض، لا أن تاتيهم بما عرفوه مسبقا عن قانون مازالت رائحة حرقه عالقة بشجيرات الرابع الغضّة، لقد أعدّ أبناء المحافظات للوفود الوزارية تلك ألغاما نسفت الحوار قبل أن يطل برأسه في القاعة، لتذهب فرق أخرى تحاول لملمة صيغ التحاور وتنويعها مع شباب يختصرون القول في عبارة مستطيلة هي "معناش ندفع".
لم يمل دولته بعد فقد راح يتحاور أمس الأول مع معارضين من الصنف الديجيتالي، ونسي أن الروح المدنية والرغبة في التماهي مع متطلبات الحداثة وما بعد الاستعمار والمستقبل الذ نتطلع له يمكن ان يسمعها من حلقة شباب أمام أي كشك قهوة من تلك الأكشاك المتناثرة على طول الطريق الصحراوي الممتد حتى الجنوب.
بيد أن اللجوء للاستعارات و التشبيهات من قبل دولته لتوصيف واقع حاله واسترداد بارقة الأمل الأولية تروق لدولة الرئيس الذي وصف نفسه بأنه طيار يفود طائرة "خربانة" ويريد إصلاحها في الجو فيتصدى له طيار حقيقي ويصلح له تشبيهه الاستعاري ذاك ويقدم له العزاء فيه، ولأن القاموس اللغوي متنوع وسيريح الرئيس من التوصيف وتحليل واقع الحال فإن الرجل يمكن أن يدرك أن ريشة الرسام الحالم التي يحملها لا يمكنها أن تعالج تشوهات الوجه وندوبه، وأن الاورام بحاجة إلى صندوق عدة لا يكترث بكبارية ينتظرون خروجه مستسلماً. الرزاز عليه أن يخلع رداء الحداثة الناعمة ويدير مفتاح العدالة في عربته ولا يترك الباب مفتوحا ليطل منه أحدهم فيقول "مش قلتلكم مإلو حيلة" .