دخل نظام معدل لنظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية لسنة 2018 حيّز التنفيذ بعد توشيحه بالإرادة الملكية السامية.
النظام الجديد يتضمن العديد من النقاط الإيجابية، من بينها أمور تتعلق بالصحة المدرسية، والأهم حظر زيادة الرسوم الدراسية أثناء العام الدراسي وزيادتها في بداية العام الدراسي بما يتجاوز معدل التضخم للسنة السابقة ووفق تعليمات يصدرها الوزير لهذه الغاية.
كما أنّ إحدى أبرز النقاط في النظام الجديد تتمثل بإلزامية تحويل الرواتب الشهرية المستحقة للمعلم إلى حسابه البنكي أو إلى المحفظة الالكترونية لدى مقدم خدمة الدفع للعملاء، والالتزام بتقديم الوثائق التي تُثبت ذلك.
هنالك، بالضرورة، نقاط أخرى لا تقل أهمية يمكن أن نتحدث عنها لاحقاً، لكن النظام الذي كانت هنالك ممانعة شديدة له، من بعض المدارس الخاصة، من المفترض أنّه يضع حدّاً لكثير من السلبيات التي حدثت خلال الأعوام الماضية، منها ما يرتبط باستقواء بعض المدارس على الأهالي في موضوع الرسوم، ومنها الاستقواء على المعلّمين، سواء على صعيد الرواتب أو حتى الحقوق القانونية، والتحايل عليهم.
تلقيتُ رسائل وملاحظات وجيهة ومنطقية من معلّمين يعملون في مدارس خاصة، بعضها مرتبط في الحدّ الأدنى للأجور، وهو أمر لا يرتبط بالمدارس الكبرى المعروفة، وبعضها يعطي رواتب تضاهي أساتذة الجامعات للمعلمين، لكن هنالك – في المقابل- العديد من المدارس الخاصة، بخاصة في المحافظات، تعطي رواتب محدود جدا، تقل عن الحدّ الأدنى من الأجور، لذلك لا بد من إلزام المدارس الخاصة والحضانات ليس فقط بإرسال الراتب، بل بعقود قانونية، وبالحدّ الأدنى من الأجور.
من الملاحظات الأخرى المزعجة أنّ هنالك مدارس خاصة عديدة تقوم بالتعاقد مع المعلمين خلال مرحلة العام الدراسي، ثم تقطع الراتب عنه في العطلة الصيفية، وتتذرّع بعملية تجديد العقد، ما يجعل الأمن الاجتماعي لكثير من المعلّمين مهدداً، وبعضهم يأخذ رواتب فقط لما قبل العطلة، أي 9 شهور، فيما الشركات الخاصة اليوم تدفع الـ13 والـ14 شهراً. مثل هذا التلاعب بأرزاق الناس وحياتهم اليومية، والتغول على المعلّمين أنفسهم من الضرروي أن ينتهي، كأن تلزم التربية المدارس بعقود سنوية، تضمن أن يأخذ المعلم رواتب العام كاملاً.
قد ينظر البعض إلى هذه القضية وكأنّها مسألة جزئية أو خدماتية، وأظن أنّها تتجاوز ذلك على أكثر من صعيد، سواء من جهة أهمية التعليم، أو من جهة الظلم الذي يقع على المعلمين والأهالي، وهو أمر ينطبق بصور مختلفة ومتنوعة على مجالات وأنشطة أخرى.
طالما كانت ذريعة الحكومات في الاختلال في سوق العمل ومعدل البطالة المرتفع لدى الشباب هي "ثقافة العيب"، وهي سيمفونية ممجوجة، فهنالك شروط وأنظمة وبيئة عمل من المفترض أن تكون مناسبة وأن تتوافر على الحدّ الأدنى من منظومة الحقوق الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، كي يتشجّع الشباب على العمل في مجالات مختلفة، وهو أمر ما يزال فيه قصور كبير في التطبيق والمراقبة والمساءلة.
ما يحدث مع معلمين في مدارس خاصة، يحدث في مؤسسات عديدة تتهرّب من الالتزام بقوانين العمل وأنظمته، وربما أخلاقه، ولا ترى غير قيمة الربح، أيّاً كانت الحيثيات، فمثل هذا التلاعب لا يقل أهمية عن التهرب الضريبي وآفات أخرى ابتلينا بها وأصبحت جزءاً كبيراً من مشكلاتنا اليوم، بل في جانب منه أخطر بكثير من قضايا سياسية وأمنية تحوز على اهتمام المسؤولين والمثقفين.
الغد