تعرفنا إلى الراحل خيري منصور أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، في ندوة نظمتها جامعة مؤتة عن أدب الراحل تيسير السبول، آنذاك رحب د. عدنان البخيت بالضيوف، ودعا إلى استكمال جمع تراث المبدع تيسير سبول، وكلف الصديق جهاد المحيسن بذلك، واظن أن جهاد سافر لدمشق في سبيل ذلك الهدف.
كان خيري كاتباً متقداً، وواعياً لأزمنة الانكسار، ووجع الثقافة، وسؤال الهوية، صحيح أنه لم يعِ النكبة الفلسطينية، لكنه على الأرجح كان احد ضحاياها، وتأثر بها وأثرت به، وكان عليه أن يختم طفولته عند حدود النكسة 1967 وآثارها المهولة والتي أدت إلى إبعاده من وطنه فيرحل إلى الكويت ثم لبنان والعراق وليستقر في الأردن مبدعاً وكاتباً مرموقاً.
ظلّ خيري كاتبا ملتزماً بهويته وقضيته، وغير قابل للمساومة على حقه في التعريف بفلسطينيته الناجزة وانتمائه لقضيته كتابة وشعراً وأدباً، والتي مارسها وعياً وكتابة، ولم يداهن أو يساوم على ذلك قيد أنمله.
كانت آخر مقالات خيري في زاويته في الدستور بعنوان:»الذين استحوا!!» قائلا:» إنها لمفارقة صادمة ان يسعى البعض الى تمثيل الآخرين رغما عنهم وهم لا يستطيعون صياغة جملة سياسية او ثقافية، ولولا ما اصاب الثقافة من تراجع وانحسار وتهميش لما سمعنا حرفاً مما نسمع، ولكان هناك شيء من الحياء لكن للاسف فإن الذين استحوا ماتوا !!».
بهذا المقال ليوم الثلاثاء 4 ايلول الجاري نعى خيري حال الثقافة والتعبير السياسي، ونعى الممارسة الديمقراطية، وطرق التمثيل، والنيابة، كما نعى الأسلوبية الرديئة في اللغة والتعبير.
كانت مقالة خيري محلياً، قصيرة ومعبرة، وفيها بعد وطني واحيانا فلسفي ومرة اخرى عالمي، فلم يكن يضيق بالمعاني، ولا تحشره حاجة الكتابة لكي يكتب في غير مستواه الراقي كلمة وتعبيراً.
أوجدَ خيري لنفسه كعباً عالياً، في الشعر في دواوينه (غزلان الدم) و(لا مراثي للنائم الجميل) و(ظلال) و(الكتابة بالقدمين) و(التيه وخنجر يسرق البلاد) وغيرها.
وفي مؤلفاته التي أبرزها في الحالة النقدية (الكف والمخرز) وهي دراسة في الأدب الفلسطيني بعد عام 1967 في الضفة والقطاع و(أبواب ومرايا: مقالات في حداثة الشعر) و(تجارب في القراءة) كان خيري يمثل الكاتب المطل والعارف الذي لا يرضى بالهين والسهل، وقد ظلّ مشعا يرسم حضوره بكل وعي ومتقد.
الموت، الذي انتظره خيري، كان غير مفاجئاً له ولاصدقائه، وهو فعل لفاعله وصاحب العمر والأجل، فالموت يظل حق الله على عباده.
الدستور