تحت عنوان عريض عن داعية ينقذ أما أربعينية من سحر تفريق في إحدى محافظات المملكة، أولى كاتب في إحدى الصحف المحلية المعروفة الكثير من الاهتمام لهذا الحدث الجلل الذي يهم الأمة، فقد حرص الكاتب بعناية على وصف طريقة إيجاد السحر وطريقة إبطاله بل واعتنى أيضا بتقديم خدمة جليلة للمواطنين عندما نقل لهم رسالة مهمة حول هذا الموضوع من الداعية الذي لقبه بالراقي والشيخ بل ولقبه أيضا بأحد العلماء الذي ينقل إلينا أحدث ما توصل إليه هو وزملاؤه من أهل العلم والاختصاص حول هذه المعضلات المصيرية.
لم يكتف الكاتب بوضع اسم وصورة (الداعية العالم) فيما يشبه الإعلان المجاني له، ولكنه وضع المزيد من إنجازاته العظيمة التي أنقذت إمرأة أخرى بإبطال السحر الذي كان معقودا بشعرها!
وعلى ذات السياق استضافت مذيعة تعمل بإحدى المحطات الإذاعية المعروفة إحدى (العالمات بعلم تفسير الأحلام)، واستهلكت دقائق ثمينة على الهواء لتقدم هي أيضا للناس خدمة جليلة بتفسير أحلامهم العجيبة، هذا التفسير الذي سيكون له أبلغ الأثر في الرقي بهم وتثقيفهم ودفع عجلة تقدم الأمة إلى الأمام.
امتلك بعض من يطلقون على أنفسهم لقب إعلاميين فرصا ثمينة للإسهام بتشكيل وتوجيه الرأي العام، ولكنهم صالوا وجالوا بمساحات عريضة من الهواء وصفحات الصحف بصورة استخفت بعقول الناس ومشاعرهم، ولكن هل وصل الإسفاف بالمحتوى لهذه الدرجة؟ ومن المسؤول عن تقييم المحتوى الإعلامي ومحاسبة القائمين عليه؟ هل امتلاك أحدهم مساحة ما للوصول للجمهور تعطيه حق النشر والثرثرة الفارغة حول أفكار ومعتقدات تجاوزها الزمن بسنوات ضوئية ولفظتها المجتمعات التي تحترم ذاتها منذ مئات السنين؟ هذه الثرثرة حول مواضيع تآكلها الصدأ تضلل الجمهور وتضفي على هذه المواضيع صفة الأهمية فيقع البعض للأسف في فخ اليأس لدرجة تجعله يتمنى الاستزادة من علم مدعي العلم ومدعي الإعلام لحل مشاكلهم.
الحقيقة الصادمة التي أصبحنا نعاني منها بشكل بدأ يصبح خطيرا هي خلو المحتوى من المعاني الهادفة والمؤثرة أو حتى التنموية، فلمن تركت مهمة تشكيل الرأي العام الواعي؟ ولماذا تسهم الكثير من الوسائل الإعلامية بعملية التجهيل والتسطيح لكل المعاني العميقة؟ وهل نحن أمام موجة جديدة من الإسفاف الذي إن لم نتصدى له سيفتح أبواب المجهول التي سيهوي عبرها الكثيرون نحو حقب الجهل والظلام؟