*الصراع الاطول كان بين مدير المخابرات السابق محمد الذهبي ورئيس الديوان السابق باسم عوض الله وهو صراع بين حليفين لكن تبدل معادلات المصالح حولهما الى العداء وحاول البعض ان يحولها الى معركة الوطن لكنها في جوهرها لم تكن اكثر من صراع مصالح ونفوذ..
في كل التجارب البشرية فان مساحات الخطأ والصواب حاضرة , وهنالك نماذج في كل الدول تتحدث جيدا لكنها لاتعمل بذات القدرة , وهنالك رجال يعملون في مواقعهم لكن عيونهم على ما بعد الموقع , لهذا تتغير المسارات ويصبح الهدف خدمة الذات وليس خدمة رؤى صاحب الامر ورفع سوية اداء الدولة , وهنالك في كل الدول والمراحل اشخاص ونماذج يتسللوا الى اهم المواقع تحت مبرر انهم يمثلون توجهات حديثة اقتصادية او مسارات اصلاحية سياسية , لكن التجارب تكشف عن ضعف في البنية الفنية والسياسية , وان علاقتهم بما دخلوا مواقعهم تحت غطاءه علاقة شكلية وانهم ليسوا اكثر من " متسلقين على جدار الاصلاح ".
وهناك رجال صادقون اخذوا فرصهم وقدموا كل ما لديهم باخلاص وروح وطنية عالية ووقفوا خلف الملك دون ان يثيروا حولهم ضجيجا سياسيا او اعلاميا فكان نعم العون وطوروا مؤسساتهم وقدموا ما عليهم وربما غادروا دون ان يخلفوا وراءهم الا السيرة العطرة , وكما في كل المراحل فهناك من ينطبق عليهم المثل الشعبي " ابن السالفة " اي ابن الحكايات الذي تبدأ الحكاية عنه وتنتهي حكايته وقد وصل مراحل متقدمة خلال فترة وجيزة , اي الذين قفزوا من المواقع العادية الى اعلى المواقع بفعل عوامل الصدفة او الظروف الطارئة او استفادوا من عدم جاهزية البدائل .
ومعظم هذه النماذج اذا لم تقرأ ما حولها جيدا فانها تذهب بعيدا في طموحها , وتخذلها الخبرة , وتعوزها عوامل النضج السياسي ولهذا تنتهي بسرعة تماما مثلما تنهي حكاية ابن السالفة قبل ان يكمل احدنا كأس الشاي في جلسة الاستماع الى الحكاية ...كل هذا وغيره كان في عشر سنوات من الحكم او عشر سنوات من الرجال مضت من عهد الملك عبدالله.
ومن العام الى الخاص فان الملك وهو يبدأ عهده قبل عشر سنوات كان يحلم بان يصنع طبقة سياسية جديدة , وان يقدم في حكمه نماذج جديدة سمتها الاساسية انها تدرك رؤاه وتفهم وتعمل لرسم الصورة التي يريدها للاردن في كل المجالات , ولهذا فان رؤساء الحكومات الستة الذين جاءوا في عهد الملك عبدالله لم يكونوا مما يسمى نادي رؤساء الحكومات , وربما كان واضحا منذ بداية عهد الملك ان الملف الاقتصادي وتحسين شروط معيشة الناس اولوية ليست للحكومات فقط بل للحكم , وهذا امر ليس سهلا في بلد موارده محدودة ويعيش في منطقة ملتهبة لاتخلو من الازمات السياسية والحروب والمتناقضات , لكن وضوح الرؤيا كان ضروريا لتحديد المسار اما العوائق فتحتاج الى تعامل جاد معها .
وكان واضحا ان الملك يبحث عن رجال قادرين على تحقيق نجاحات في الملف الاقتصادي , وعندما كانت الظروف السياسية والامنية محليا واقليميا تفرض وجود حكومات ورؤساء اصحاب توجهات سياسية وليست اقتصادية كان هناك اطر حول الملك ذات اولوية اقتصادية ونشأت العديد من هذه الاطر داخل الديوان الملكي او حتى داخل الحكومات وربما كان هذا جزءا من جدل وشد دفعت بعض الحكومات وبعض الاشخاص ثمنا له .
ولعل التصنيفات التي ظهرت خلال السنوات الاخيرة لم تكن اقتصادية بقدر ماكانت سياسية احيانا وشخصية احيانا اخرى , فالاردن يتبنى نهجا اقتصاديا مستمرا ومستقرا منذ عام 1989 يقوم على انسحاب الدولة من العديد من المجالات لمصلحة القطاع الخاص , وعلى الخصخصة والبيع وتقليص القطاع العام ورفع الدعم او تحرير السلع والخدمات الاساسية , وهي مسيرة تختلف سرعتها وتسارعها لاسباب مختلفة لكنها لم تتوقف ختى في عهد من يوصفون ب"العسكر القديم" ولم تذهب خارج الاطار حتى في عهد من يوصفون ب"الليبراليين" لكن الخلاف سياسي والشكوك غير اقتصادية والافتراق اصبح واضح المعالم , لكنهم جميعا تناوبوا على ادارة شؤن الدولة وحملوا اعلى الالقاب وتحالفوا احيانا عندما كانت مصالحهم تقتتضي ذلك ودخلوا في صراعات شديدة عندما تناقضت المصالح .
لكن اولوية الملف الاقتصادي فتحت الباب امام تسلل اشخاص ليس لديهم ما يميزهم في هذا المجال الى مواقع هامة , وتسلل رجال اعمال واصحاب مصالح وحسابات الى مواقع ونفوذ , ونشات طبقة من التحالفات ظاهرها الاقتصاد وخدمته وباطنها اشياء اخرى .
ولعل من استطاعوا ان ياخذوا اماكن هامة ومواقع مؤثرة من استطاعوا ان يفهموا احدى كلمات السر في اداء الملك وهي رغبته ان ينجز بسرعة , فهو لايحب تراكم المشاكل وتسويف البيروقراطية وكسل المسؤل , وهذا الصنف اكتسب موقعه بان جعل المسافة بين رغبة الملك والتنفيذ تقاس باجزاء الزمن , لكن هذا كان احيانا على حساب اشياء اخرى , واحيانا كان هناك امور تحتاج للوقت فكان الالتفاف غير السلبي , وكانت مشكلة البعض ان المسافة بين المدخلات والمخرجات طويلة جدا , واخرون تعاملوا على اساس المتابعة الورقية واخرون نسوا انهم اصحاب مواقع وتعاملوا بعقلية الباحث واخرون بعقول شيخ العشيرة , لكن من حصلوا على اعلى النتائج من تعاملوا مع ديناميكية الملك بذات الديناميكية.
وفي عقد الرجال كانت صراعات بين بعض من احتلوا مواقع كبرى سواء في رئاسة الديوان والحكومة كما كان في اول المشوار بين الروابدة والكباريتي لكن الصراع الاطول كان بين مدير المخابرات السابق محمد الذهبي ورئيس الديوان السابق باسم عوض الله وهو صراع بين حليفين لكن تبدل معادلات المصالح حولهما الى العداء وحاول البعض ان يحولها الى معركة الوطن لكنها في جوهرها لم تكن اكثر من صراع مصالح ونفوذ وكانت النهاية حسما ملكيا على جرعات حمل الاثنين الى خارج السلطة.
هناك نوعية خاصة من رجالات الملك لهم مكانة خاصة , ومن ابتعد منهم عن الاعيب وامراض الساحة السياسية كانوا هم الاكثر امانا لمسار الدولة , وهم ابناء المؤسسة العسكرية سواء الذين عملوا في ادارة مؤسساتهم بمهنية واخلاص دون ان نسيان لاساسيات الموقع , وهؤلاء نماذج عديدة وناجحة , هم رفاق السلاح للملك ابن المؤسسة العسكرية الذي يعرف مكانتها ودورها وطبيعة رجالها وقدراتهم , او حتى الذين اختارهم الملك للعمل وادارة مؤسسات مدنية وسياسية واحتلوا اهم المواقع بما فيها ادارة الحكومات , ولعل سمة هؤلاء انهم من مدرسة تدرك جيدا المصالح العليا للدولة بشكل مباشر , وهم محافظون جدا عندما يرون في امر تهديدا او مسا بفكرة الدولة واركانها , وهذه ليست مدرسة سياسية وفق تصنيفات السوق السياسي لكنها مدرسة الفطرة الوطنية .
بعض هؤلاء لم تتح لهم فرصة تقديم ما لديهم فكانوا هدفا لقوانين السياسة والاعيبها , وبعضهم كان يحتاج الى مزيد من الخبرة حتى يمكنه حمل ما اوكل اليه من مهام ومواقع وبعضهم نسي الفطرة العسكرية وحمل من العمل السياسي بعض امراضه.
رجال عهد الملك ليسوا من القمر او الفضاء بل هم من التركيبة الاجتماعية والسياسية للدولة الاردنية , وبعض من اتيحت لهم الفرصة لحمل امانة موقع تعاملوا بشكل مهني وقدموا ما لديهم , لكن اصحاب المواقع الاولى يجب عليهم دائما ان يدركوا كيف يفكر الملك , وان يكونوا بذات الديناميكية وروح المبادرة وتجاوز البطء في التفكير والعمل وهي سمات يعمل بها الملك ويحب ان يجد حوله من يعمل بذات الطريقة , ومن فهم هذه المعادلة كان الاقرب ومن لم تسعفه قدراته او منهجه لم يحقق ما يجب , والبعض امتلك فهم المعادلة لكن غاب عنه التفريق بين العمل في دائرة ضيقة وبين معادلات الحكم وضرورات ادارة الدولة , والبعض نسي ان للحكم معادلات لاغنى عنها ولهذا دفع ثمنا باهظا لغياب القدرة على فهم هذه المعادلات .والبعض ظلمه الموقع وتحافات الورثة واخرون ظلموا المواقع وحولوها الى احجام اقل مما يجب .
ولاننا بشر فان كل الدول تبقى تختبر قدرات رجالها , لكن الملك اعطى فرصا لكل اصحاب التوجهات لانهم كلهم اردنييون, فالقضية لم تكن شبابا وشيوخا فقد اعطى الفرصة للطرفين , ولم تكن تمثيلا لراي اقتصادي او سياسي فقد اخذت كل العناصر فرصتها لكن المطلوب رجال يرون ان وجودهم هو لخدمة الاردن , رجال يدركون التحديات ويعرفون تركيبة الناس واولويات الدولة , ويتعاملون وفق معادلات الدول وليس معادلات اخرى , يعرفون الجغرافيا ولهم مصداقية عند الناس , لهم الحق في التجربة والاجتهاد لكن ليس التجيير للذات , يحملون العبء مع الملك وليسوا عبئا سياسيا ومهنيا عليه. , وستبقى التجارب مستمرة ما دمنا بشرا.
المقال خاص ب عمون.