تريدون أن ينجح الحوار .. ؟
حسين الرواشدة
17-09-2018 12:35 AM
يسألني احد القراء : ما جدوى الحوار اذا كان كل شيء تم وانتهى، واذا كانت المقررات طبخت وحان اكلها، ما جدوى الحوار اذا لم نجب على ما يريده الناس منذ سنوات ولم ننتبه لاصواتهم الا حين وجدنا انفسنا امام «مأزق» يصعب مواجهته؟
صحيح، معهم حق هؤلاء الناس حين يغضبون ويحتجون، وحين يشعرون بالخيبة ويخرجون عن صمتهم وعن سمتهم ايضا، فقد ادركهم اليأس بإمكانية ان نلتقي ونتحاور او ان نحل مشاكلنا وقضايانا بالتفاهم دون ان نصطدم او نصل الى الجدار، لكن هل يجوز ان نستسلم لليأس، هل يمكن ان يقبل احدنا ان نهدم بلدنا بأيدي الذين لا يخافون الله فيه وبأيدينا ايضا..؟
لا حل امامنا الا بالحوار، فهو بوابة الامل، وهو المخرج الوحيد لكل ازماتنا، ليس المقصود بالحوار هنا ما جرى بين الذئب في اعلى النبع والحمل في اسفله، ولا المقصود بالامل هذا المغشوش الذي هو الوجه الآخر لليأس، وانما الحوار المطلوب هو القائم على اساس التكافؤ والجدية، المفتوح على المشتركات والتفاهمات، الحوار الواعي الذي يفضي الى تجاوز الاشكاليات حيث لا غالب ولا مغلوب، ولا مهزوم ولا منتصر.
من هنا لا بد ان تتحرك الدولة وان نتحرك معها في هذا الاتجاه، ليس فقط لاننا نريد ان نحافظ على بلدنا وندفعه نحو مزيد من الاستقرار والازدهار، وانما لاننا ذقنا مرارة انحباس مطر الاصلاح، ودفعنا ضريبة «الفهلوة» وتمدد الفساد، وعانينا من انسداد السياسة وتراجع الاقتصاد، ومن بؤس النخب وفشلها، ولم يعد امامنا سوى طريق واحد، وهو : الامل بالتغيير والاصرار على دفع عجلة الاصلاح، والاستمرار بالمطالبة به، ودفع الثمن -اذا لزم الامر - مقابل تحقيقه.
ليس لدي وصفة جاهزة يمكن ان اقدمها لإنعاش»الهمة» الوطنية واعادة الامل للناس، لكن استأذن بتسجيل( 4) ملاحظات، الاولى ان اخشى ما اخشاه ان يتحول الامل الى «وهم» وان تتراجع الهمة الوطنية التي نحاول استعادتها، وعندها سيفهم الناس ما يجري وكأنه عودة للماضي بما فيه من كوابيس واحلام مزعجة، ثم انهم سيبحثون عن بصيص امل يعيد اليهم الثقة بانفسهم وبلدهم ومستقبلهم فلا يجدوه.
الملاحظة الثانية هي ان «استعادة الثقة» بالدولة ومؤسساتها وادائها، افضل وصفة لمعالجة ما اصاب مجتمعنا من امراض الخيبة والشك وما طرأ عليه من تحولات على صعيد القيم والاخلاق، ومن انسدادات اجتماعية واقتصادية، هنا، لا تسأل بالطبع لماذا حدث ذلك، فلديك –كما لدي- عشرات الاسباب التي تتعلق بأدائنا العام، واخلاقياتنا العامة، وموازين العدالة في بلادنا، ابتداء من الحكومات والبرلمان وصولاً الى اصغر مؤسسة وأبسط موظف، سواءً تعلق الامر بالتوظيف والتعيين او بالخدمات أو باعمال القانون او بمسطرة الانتماء او بالاحساس بالامن او بالمشاركة في العمل العامّ، كل هذا تسبب في تراجع منسوب الثقة، ودفع الناس الى الاعتماد على «سلطانهم» الفردي والعشائري، وأحياناً الى ارتكاب الجرائم دفاعاً عن الحقوق او حتى انتقاماً من الذات والمجتمع.
أمّا الملاحظة الاخيرة فهي ان نداء «اعادة الامل» لا بد ان يتوجه تحديدا لقطاع الشباب الذي يشكل اكثر من نصف المجتمع،هؤلاء –للأسف- اصابهم اليأس والاحباط وانسدت امامهم ابواب العمل والمشاركة، وغابوا عن اهتمام الدولة ومؤسساتها، وبالتالي تشكلت لدينا «بؤر» مهمشة وطوابير من العاطلين عن العمل، وطبقات من الفقراء والجوعى والمحرومين، اما النتيجة فهي الاحباط الذي يمكن ان يقود للتطرف والكفر بكل شيء، ويمكن ان يقتل «روح» المواطنة والانتماء ويدمّر الابداع ويقضي على اية فرصة لنا بالتنمية والاستقرار.
تريدون ان ينجح الحوار..؟ اذا، لا بد ان نتجاوز المصارحات الى محاسبات حقيقية ومصالحات جادة نطوي من خلالها صفحة الاخطاء ونبدأ بصفحة بيضاء « تسرّ المواطنين»..
الدستور