تمر علينا في هذه الأيام الذكرى المئوية الأولى لاحتلال الإنجليز لمدينة السلط ,في أواخر الحرب العالمية الأولى , ففي مثل هذه الأيام من شهر أيلول لعام 1918, تمكنت القوات الإنجليزية بقيادة الجنرال اللنبي مدينة السلط , وقدم الجيش الإنجليزي إلى السلط من أريحا التي اتخذ فيها اللنبي معسكراً لجيشه المنطلق لاحتلال السلط وعمان وإخراج الأتراك منهما .
والجنرال اللنبي هو القائد الإنجليزي الذي احتل القدس في شهر كانون الأول عام 1917, ثم سيطر على معظم الأراضي الفلسطينية , وهو صاحب القول المشهور (الآن انتهت الحروب الصليبية ) ,قالها بعد دخوله للقدس مباشرة .
بعد إكمال احتلال فلسطين وإخراج الجيش الرابع العثماني منها , اتجه اللنبي شرقاً نحو السلط , فقام ببناء جسر على نهر الأردن بالقرب من أريحا غرباً والشونة الجنوبية شرقاً , وعرف هذا الجسر بجسر اللنبي ثم سمي قيما بعد بجسر الملك حسين .
عبر الجيش الإنجليزي نهر الأردن واتجه إلى السلط عن طريق الشونة ووادي شعيب حتى وصل إلى السلط , كان بالسلط حامية عثمانية متوسطة بقيادة الجنرال جمال باشا الأورفلي ( يلقب بجمال باشا الصغير تميزاً له عن والي الشام جمال باشا المعروف عند العرب بالسفاح), وكانت هذه الحامية تتلقى العتاد والمؤن من الشام عن طريق سكة الحديد التي توصلها إلى محطة عمان , ثم تنقل إلى السلط على الدواب .
استعد الأورفلي للمعركة جيداً وطلب من أهالي السلط المساعدة بحفر الخنادق والقتال معه , فاستجاب له قسم من أهالي السلط , وأعانوه على مقاومة الإنجليز .
وكان يوجد للجيش التركي العثماني موقع مدفعية في منطقة رأس الحوض (حوض وادي شعيب ) , جنوب قرية يرقا بعدة كيلو مترات .وكان موقع المدفعية هذا بقيادة عميد عثماني يعرف بنوري بيك الأزميري , ولقد لعب هذا المدفع دوراً كبيراً خلال معركة السيطرة على القدس , إذ كان يقصف القوات المتقدمة لاحتلال القدس ويعيق تقدمهم , مما اضطر الإنجليز لإرسال الطائرات لقصف الموقع المدفعي والقضاء على طاقمه , وهذا ما حصل، فلقد استشهد نوري بيك وبعض عساكره نتيجة القصف الجوي الإنجليزي , وكان هذا قبل سقوط القدس عام 1917,
وما زال المكان يسمى بنوري بيك ويوجد حوله مقبرة , ويعرف أهالي عيرا ويرقا هذا الموقع جيدا .
أما بالنسبة للمدفع فلقد ترك في وادي شعيب بعد انسحاب الأتراك , ثم جرى نقله إلى معسكرات الجيش الأردني حيث تم ترميمه وأعيد إلى مدينة السلط ووضع في مدخلها بالقرب من الاشارة الضوئية وأمام مبنى البلدية الحالي .
احتل الجيش الإنجليزي السلط للمرة الاولى في شهر آذار عام 1918, وانسحب الأتراك إلى شمال المدينة وأعادوا تنظيم صفوفهم وهاجموا المدينة وكان معهم عدد لا بأس به من الضباط والمستشارين الألمان , فتم طرد الإنجليز إلى الجنوب , وغادر بعض العائلات والأهالي مع الإنجليز خوفاً من انتقام الأتراك منهم واتهامهم بمساعدة الإنجليز , وأخذ الإنجليز معهم بعض الأسرى من أهالي السلط الذين ساعدوا الأتراك وحبسوهم بأريحا وتوفي بعضهم هناك , وعاد البعض بعد عدة سنوات .
أعاد الإنجليز الكرة مرة اخرى في شهر نيسان 1918 , واستطاعوا إخراج الأتراك من المدينة إلى منطقة الحمر , ولكن الجيش التركي وصلت له بعض الإمدادات فعاد و طرد الإنجليز منها للمرة الثانية .
وفي مثل هذه الأيام من شهر ايلول عام 1918 كانت الحملة الإنجليزية الثالثة والأخيرة , حيث تم السيطرة النهائية لهم على السلط وانسحب الأتراك والألمان إلى عمان ثم منها إلى الشام , وانتهى بعدها الحكم التركي للسلط , سقط في معارك احتلال السلط الكثير من الجنود الأتراك تجاوزوا الثلاثة مائة شهيد وبعض الألمان , وتم دفن الشهداء الأتراك في مقبرة القلعة( الخندق ), وقامت الحكومة التركية بعمل نصب تذكاري لهم بالتعاون مع بلدية السلط , وأصبح هذا النصب معلم سياحي للسلط يزوره المسؤولين الاتراك عند قدومهم للأردن ويزوره الناس في كل وقت ,وتقيم السفارة التركية مع بلدية السلط احتفال سنوي تخليدا لهولاء الشهداء في هذا النصب التذكاري.