قناة النواب للتواصل بين الشعب والحكومة والدولة باتت مغلقة. لأن النواب في حالة ضعف وتهميش وتكبيل مزمنة وتراكمية.
ولو كان مجلس النواب قويا، وممثلا حق التمثيل للشعب، لما اضطرت الحكومة الى الذهاب الى المحافظات، لمحاورة الناس، ولجس نبضهم، أو لأخد موافقتهم، أو لضمان قبولهم بسياساتها وتشريعاتها، تجنباً لردات فعلهم غير المتوقعة حيالها.
لو كانت قناة النواب عاملة بسلاسة وجدية وحيوية؛ لكان الشعب غير آبه، بما تقدمه الحكومات من تشريعات للمجلس، أو بما تعتزم تنفيذه من سياسات وقرارات؛ لأنه مطمئن بأن نوابه يمثلونه خير تمثيل، وسيقومون بالواجب نيابة عنه خير قيام!!
ولو كانت قناة النواب نشطة لما اضطر المواطن للخروج الى الشارع، أو للتدخل المباشر واليومي في التشريعات و السياسات والاجراءات الحكومية، ثقة منه بأن نوابه ينوبون عنه.
وفي الحقيقة هذه هي فلسفة التمثيل النيابي. كما تبلورت في الثورة الأمريكية، وارتباطها بضريبتي الدمغة والشاي، ورفعها شعار "لا ضرائب بدون تمثيل"
" No Taxation Without Representation ".
لكن واقع الحال أن المجلس يعاني في مسألة الثقة الشعبية. لذا تجد الحكومات نفسها في مواجهة مباشرة مع الشعب، كما يجد الشعب نفسه في مواجهة مباشرة مع الحكومات، كما حدث في أحداث الدوار الرابع، وكما يحدث اليوم في حوارات المحافظات العقيمة والمتعثرة!
لماذا اغلقت قناة النواب؟ وما أسباب هذا الاغلاق؟ ولماذا تم التفريط بهذه القناة الدستورية المضمونة للتمثيل الشعبي؟ لقد تظافرت أسباب وعوامل ودوافع كثيرة لتعطيل قناة النواب. منها الاضعاف الممنهج للنواب وتشويه صورتهم بشكل تراكمي وبطيء. ومنها تشريعات فقيرة تنتج مجالس بائسة. ومنها صمت متواصل على جرائم المال الاسود، الذي شوه الانتخابات والنتائج والمجالس وأفقدها الثقة والاحترام الشعبيين، بسبب ممارسات رجال البزنس الرعناء خلال الانتخابات وداخل المجلس. ولم يقصر الناخب في اضعاف المجالس والنواب عبر ممارسات انتخابية غير صحية وغير سليمة اطلاقا، وعبر انخراطه في ثقافة انتخابية مشوهة، تتراوح بين المقاطعة الصامتة والسلبية، وبين مشاركة تعلي الاعتبارات الاجتماعية والمصلحية والنفعية المؤقتة على الصالح العام.
وها نحن نصطدم بالحقيقة السوداء بأن الناخبين لا يثقون بنوابهم، ولا يتوقعون منهم دفاعا جدياً عن مصالحم، ولا تبنيا صادقا لمطالبهم، ولا إحساسا حقيقيا بهمومهم.
من هنا تتعمق مشكلتنا الوطنية، عندما لا يثق المواطن بأن الحكومات خاضعة لرقابته الحقيقية والفعالة من خلال نوابه وممثليه، وعندما لا يتيقن بأن ادارة حكومية كفوءة ونزيهة تتحكم بايرادات الموازنة العامة ونفقاتها تحت سمع وبصر ممثليه الحقيقيين، وعندما لا يقتنع بأن مشاريع القوانين ستناقش وتعدل وترفض وتقر في مجلس النواب بوحي من مصالح الناخبين.
من هنا نبدأ، من تفعيل قناة النواب، ومن تحقيق الثقة بالتمثيل النيابي. وعملية إستعادة الأمل ممكنة بالجدية والمثابرة والصدق، وبالاقتناع بأن الصداع الناجم عن عمل ونشاط نواب فعالين، لا يخضعون لضعفهم ولمنافعهم ومصالحهم التجارية، أقل إيلاما مئات المرات من حالة الانسداد السياسي المرافقة لوجود مجالس نواب شكلية ضعيفة، لا يمتلك فيها النواب مصداقية في الشارع، ولا أدوات تأثير في اتجاهات الرأي العام، وليس لديهم المقدرة على النزول الى الشارع لمحاورة الناخبين والتأثير بتوجهاتهم، بل ليس لديهم ابتداء القدرة على كفاية الشعب والحكومة معا عناء الاصطدام أو الحوار الخشن في الشارع.
اليوم من يحاور من؟ ومن يثق بمن؟ ومن يحجب الثقة عن من؟ ومن يمنح الثقة لمن؟ ومن يقدر على إعادة الأمل لمن؟