البحث العلمي في مسودة مشروع قانون ضريبة الدخل
د. فرحان عليمات
16-09-2018 11:00 AM
يمثل البحث العلمي المحور الرئيس للتقدّم في المجتمع في المجالات جميعها، ويعد من أعظم الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، وقد أدركت الدول التي تسعى للتقدم اهمّية البحث العلمي فرصدت مليارات الدولارات لهذه الغاية سعيا منها لتنمية مجتمعاتها وسيادة العالم، والبحث العلمي في الأردن وفي الوطن العربي عموما يثير الأسى والألم والحزن، فعند مقارنة الدول العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي نجد أن الأخيرة تحتل المرتبة( 15) على العالم من جهة ابحاثها المنشورة في العلوم البحتة والتطبيقية، وتنفق ما مقداره 4,7% من دخلها على البحث العلمي، وفي مجال الثقافة والمعرفة فقد بلغت نسبة إنتاجها للكتب ( 100) كتاب لكل مليون نسمة، في حين بلغ انتاج الدول العربية مجتمعة (1,2) كتاب لكل مليون نسمة، ويبلغ إنتاج العالم العربي من المعارف الإنسانية 0،0002% من إنتاج العالم، بينما تنتج دولة الاحتلال 1% من المعارف العالمية؛ أي تنتج أبحاثا ومعارف بـ خمسة آلاف مرة عن العالم العربي.
وفي خضم الجدل الدائر حول مشروع قانون ضريبة الدخل لفت انتباهي نص مادة يتحدث عن ضريبة تكافل اجتماعي بنسبة 1% من صافي أرباح الشركات لغايات البحث العلمي ومكافحة الفقر، ويبرز في هذا المقام المفارقات الآتية:
ماذا لو لم تحقق الشركات أرباحا؟ وكم المبلغ المتوقع من صافي الأرباح بالدينار؟ وماعلاقة مشاركة البحث العلمي بالفقر؟ وهل المبالغ التي سيتم اقتطاعها تكفي لسد جزء يسير من متطلبات قضيتين أساسيتين كالبحث العلمي والفقر؟ وهل هناك مصادر أخرى لدعم البحث العلمي في الأردن؟
في حين تبرز مفارقات أخرى تتعلق بماهية البحث العلمي في الأردن، وتتمثل أولا بثقافة البحث العلمي، فهو لا يرتبط فقط ببراءات الاختراع وإنما يتناول جميع الجوانب المتعلقة في هذا الكون، وهو مجموعة من الاجراءات المنهجية التي ينتهجها الباحث للتعرف على جميع الجوانب المتعلقة بإشكالية علمية محددة لوضع حلول لها، والحصول على النتائج التي تخدم المجتمع، ولعل ما يؤخذ علينا إعطاء أولوية في البحث العلمي للعلوم التطبيقية والطبيعية التي تهتم بدراسة النواحي الفيزيائية المادية غير البشرية لكافة الظواهر الموجودة على الأرض والكون المحيط بنا، في حين نقلل من اهمّية العلوم الإنسانية التي تهتم بالإنسان وثقافته التي تهيء الارض الخصبة للعلوم التطبيقية والطبيعية؛ ففي الأردن عشرات الالاف من الابحاث الإنسانية التي قام الباحثون بها سواء أكانت رسائل ماجستير أو اطاريح دكتوراة للحصول على درجات علمية، أو كأبحاث نشرت في الدوريات العربية، ويبقى السؤال قائما ماذا قدمت تلك البحوث بمجالاتها كافة طبيعية ام إنسانية لخدمة المجتمع الأردني، وأين يكمن الخلل في عدم الإستفادة منها أو الاكتفاء بذكرها كدراسات سابقة ،وتبقى كلها حبيسة رفوف المكتبات فعلى سبيل المثال لا الحصر أمضيت كباحث مدة سبع سنوات في دراسة الماجستير والدكتوراة إذ بحثت في رسالة الماجستير استخدامات الأطفال الأردنيين للإنترنت وهو موضوع جديد يبحث لأول مرة، واطروحة الدكتوراة حول صناديق التنمية الأردنية التي تعنى بالبطالة والفقر وتشغيل الشباب الجامعي الأردني ،ودور وسائل الإعلام ،والعلاقات العامّة في تلك الصناديق بتوعية الشباب الجامعي للاستفادة مما تقدم تلك الصناديق من خدمات تحد من الفقر والبطالة في مجتمعنا ومع أهمية الموضوعين إلا انه للاسف لم تبادر أي جهة للإستفادة من هذين البحثين.
لا شك أننا بحاجة أولا لرصد مخصصات كبيرة لغايات البحث العلمي وزيادة النسبة المقترحة في مشروع قانون ضريبة الدخل إلى 5% وحصرها بغايات البحث العلمي فقط ، فالشركات هي المتلقي الرئيس لمخرجات البحث العلمي، إضافة إلى توفير مصادر دخل إضافية لدعم البحث العلمي في الأردن، وبحاجة إلى بلورة مفهومنا للبحث العلمي وثقافته وتنميته بدءا من طلبة المدارس، وتفعيل الأستفادة من البحوث كافة التي تخدم المجتمع وتعميم الرسائل والأطاريح الجامعية من قبل وزارة التعليم العالي ووضع تقييم لها من قبل يدخل في أسس المفاضلة عند التعيين في الجامعات الأردنية، وكذلك ضرورة شمولية جوائز الباحث والبحث المتميزين والابتكار التي تمنح من قبل صندوق البحث العلمي التابع لوزارة التعليم العالي بحيث تلغى الشروط مثل "الا يكون البحث تم لاجل الحصول على درجة علمية بالنسبة لجائزة البحث المتميز، وتوسيع فئات متلقي الخدمة من الصندوق بالنسبة للباحث المتميز، بحيث يكون نصيب لطلبة الدراسات العليا من غير الجامعات الاردنية ، والغاء الكثير من الشروط المقيدة"، فالبحث العلمي هو بحث علمي أيًا كان مصدره وغاياته ويقاس بمدى جديته وجودته وفائدته للمجتمع، ومن الأفضل إعادة هيكلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إذ إنه من الضروري وجود أمين عام وزارة يعنى فقط بالبحث العلمي، فالوزير وحده لا يستطيع إدارة ملفات كبيرة بحجم التعليم العالي والبحث العلمي معا، ومع وجود صندوق البحث العلمي التابع لوزارة التعليم العالي الذي تمّ انشاؤه عام 2010 بموجب النظام رقم (42) تبدو الحاجة ماسّة لإعادة تقييم دوره ووضع فلسفة أكثر شمولية خاصة فيما يتعلق بأهدافه، ووضع آليات جديدة لتنمية البحث العلمي والاستفادة من مخرجاته ميدانيًا لتعم الفائدة على المجتمع ، ولا شك أن وزارة التعليم العالي تبقى المظلة الرئيسة للبحث العلمي بالتشاركية مع جهات عديدة حكومية وخاصة تعنى في البحث العلمي.