يطلبون من باراك أوباما ما لا يطلبونه من حكامهم، وكأنه صلاح الدين الذي سيحرر القدس. بخلاف اللغة المذعنة أيام بوش التي تتساتر مع إدارته الرعناء ثمة تعال، ربما لثقافة عنصرية، في التعامل مع أوباما، وكأنه فاز في الانتخابات التشريعية والرئاسية بفعل بلطيجية الحزب الحاكم. وفي مجتمعات يسودها "أشباه السياسيين" قل أن تجد من يقرأ أوباما بشكل متوازن ونقدي.
أولئك المتعالون كانوا يقولون أن أسود لن يصل للرئاسة، وبعد أن وصل صاروا أساتذة عليه بعد أن كانوا تلاميذ عند بوش. وفي محاضراتهم أن أميركا دولة مؤسسات ولن يستطيع هذا السياسي الغر تغيير سياساتها، وأن ما يحكم سياستها في المنطقة هو مصالحها مع إسرائيل والنفط.
من الطريف هو التطابق بين بعض وجهات النظر العربية والإسرائيلية في تقييم أوباما سلبيا، فقد ذكرت معاريف أن مسؤولا كبيرا جدا في الحكومة الإسرائيلية قال تعقيبا على الخطاب "إن أوباما إنسان ساذج يتمتع بنوايا طيبة ولكنه سيصطدم سريعا بالواقع ويصحو من أحلامه الوردية".
وكان هذا المسؤول يتكلم مع المحرر السياسي في الصحيفة فقال إنه يبني كثيرا على رد الفعل في العالم العربي على أوباما ليكون فرجا للحكومة الإسرائيلية من الضغوط الأميركية.
الفرق بين المسؤول الإسرائيلي والمتعالين العرب، أنه على سطوة إسرائيل ونفوذها في الإدارة الأميركية، يدرك قوة الرئيس الأميركي في نظام رئاسي. وإسرائيل تصارع على أوباما وتريد كسبه إلى طرفها عن طريق احتواء ضغوطه وإظهار العرب باعتبارهم الجهة المعنية بإفشاله. هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم كلمة "ساذج" لوصف الرئيس أوباما، فحال عودة نتنياهو من زيارته البيت الأبيض في الأسبوع قبل الماضي ذكر مسؤول في حاشيته أن "فكرة دولتين لشعبين هي فكرة صبيانية ساذجة".
وأصدر مكتب نتنياهو في حينه توضيحا قال فيه إن القصد لم يكن أوباما ولا فكرة الدولتين، بل الفكرة التي طرحت في بعض الصحف الإسرائيلية التي تقول إنه "لا يوجد حل لتسوية الصراع سوى بفكرة الدولتين". وكان نتنياهو قد عقد جلسة طارئة لكبار وزرائه السياسيين والأمنيين فور الانتهاء من خطاب أوباما، من أجل البحث في مغزاه. وقد أجمع الحضور في هذه الجلسة، بمن في ذلك نتنياهو نفسه، على أن أوباما يحمل معه تغييرا جديا في السياسة الأميركية، وأن الأمر يتطلب دراسة معمقة. وأسمعت في الجلسة انتقادات لاذعة للرئيس الأميركي، ولكنهم اتفقوا في نهايتها على ضرورة إظهار موقف إسرائيلي ترحيبي بالخطاب.
وأثنى على هذا البيان وزير الدفاع إيهود باراك، الذي استمع إلى الخطاب وهو في الولايات المتحدة، فقال إن جوهر الخطاب يكمن في تأكيد أوباما الالتزام بدعم إسرائيل وأمنها، وإن رؤيته السياسة تتلاءم ومواقف حزب العمل. ثم امتدحه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، فقال إنه خطاب مهم يرمي من خلاله إلى بناء عالم جديد في الشرق الأوسط مبني على أسس الديمقراطية والعدل.
ولكن مصادر سياسية مطلعة قالت أمس إن نتنياهو ومساعديه يشعرون بأنهم أخطأوا عندما انتظروا هذا الخطاب، وإنه كان عليهم إعداد ونشر خطة سلام إسرائيلية خاصة تصبح محورا للنقاش في العالم، بدلا من ترك الساحة أمام خطط جديدة. وأضافت أن الوقت لم يفُت لمثل هذه الخطوة، حيث إن أوباما ينوي طرح خطة سلام للشرق الأوسط خلال بضعة شهور، وبإمكان إسرائيل أن تسبقه في ذلك.
لكن هناك الكثير من الإسرائيليين الذين لم يستطيعوا إخفاء انزعاجهم، بل غضبهم، مما جاء في الخطاب، خصوصا ما يتعلق بالمقارنة بين ما جرى لليهود على أيدي النازية ومعاناة الفلسطينيين جراء قيام إسرائيل. فقد أصابت هذه المقارنة ارييه إلداد، النائب عن الحزب القومي، بصدمة. وقال: "إنها مقارنة تصيب بالصدمة بين تدمير الجالية اليهودية في أوروبا وبين معاناة العرب في إسرائيل التي جلبوها على أنفسهم جراء إعلان الحرب على إسرائيل".
إلى ذلك أظهرت استطلاعات الرأي تباين ردود الأفعال داخل إسرائيل إزاء الخطاب، وحسب نتائج استطلاع أجرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" فإن 53% من الإسرائيليين يعتقدون أن سياسة الرئيس الأميركي لن تكون في مصلحة إسرائيل، وأعرب 51% عن اعتقادهم بأن حرص أوباما على إقامة دولة للفلسطينيين أكبر من حرصه على أمن إسرائيل.
لن يكلف المتعالون العرب أنفسهم قراءة الموقف الإسرائيلي من أوباما ، وربما لا يهمهم أن كانوا متطابقين معه.
yaser.hilala@alghad.jo