عمون - بغداد - مهند الدراجي - عندما تتعقد الأمور في العراق سياسيا، ونبتعد عن الحسم، يجب علينا أن ننظر إلى الكرد، كقوة ترجح كفة على أخرى، وفي كل مرة نطرح ذات السؤال، ماذا يريد الأكراد؟ وبتحليل حالات الاحتكاك الكردية في العملية السياسية العراقية، نجد أن الأكراد أنفسهم لا يعلمون ماذا يريدون، ربما لاختلاط أوراق المصلحة العامة مع المصلحة الشخصية والولاءات الإقليمية المتنوعة، وطبيعة الحكم في الإقليم الكردي، والأهداف السياسية الداخلية.
ويجب الاعتراف أن موقف الفصائل العراقية على اختلافها من استفتاء كردستان العراق، ما زال يلقي بظلاله على المسار الكردي في العملية السياسية. لا سيما ونحن في أجواء مرور أول عام على ذكرى فشل الكرد في مشروعهم، الذي يسعى لمركزية القومية الكردية في كل إيران والعراق وسوريا.
هذه المقدمة ضرورية، لأننا نشهد ترددا كرديا مبالغ فيه، له أهدافه المعلنة والواضحة، وأخرى خفية، لا يمكن التنبؤ بها. وكل من يتابع الشأن العراقي، يدرك تماما أن حالة التأخر في الحسم، بسبب عدم القدرة على تحديد الاتجاه، وفتح الأبواب لجميع الأطراف السياسية، بهدف السماع منهم، وفيما بعد تأتي مرحلة مقارنة العروض المقدمة والمفاضلة بينها. أي أن الورقة الكردية في العملية السياسية العراقية بمثابة العطاء والكل يقدم أفضل ما عنده، ولأن الفساد لا يغيب، قد نشهده في تحالفات الكرد التي تتسرب الاحبار عنها.
فلا يعقل أن يحال العطاء الكردي على من يقدم أقل المزايا، وعلى من لهم سوابق عسكرية مع الشعب الكردي.
كنت أسمع في المجالس السياسية العراقية مؤخرا، أن الأكراد هذه المرة يفضلون الحصول على منصب رئيس مجلس النواب، وإعطاء منصب رئيس الجمهورية للسُنة. وإذا كان هذا التبادل يتم بشكل رضائي فلا بأس، ولكن إذا كان يستهدف سحب البساط من السُنة، وتهميش دورهم، فهذا سيزيد حالة الجمود ويعمق الخلاف بين مكونات العراقي المختلفة أصلا. لكن وفقا لمصادر سياسية متعددة سنية وشيعية، أكدت أن هناك أسماء سنية مطروحة ومدعومة من تحالفات شيعية لمنصب رئيس مجلس النواب. حيث يدعم تحالف البناء مرشحا، وبدوره يدعم تحالف الإصلاح مرشحا آخر.
الواضح أن المسار الكردي الذي ترشح الأخبار عنه هذه الأيام مسار زلق جدا، وعواقبه غير محمودة، حيث أن هناك حديث عن نية الأكراد للتحالف مع الصدر والعامري لتشكيل الكتلة الأكبر لتسمية رئيس الحكومة؟ والقضاء على تحالف الإصلاح والبناء.
قد يقول القارئ، أن هذا الكلام شطحات سياسية لا أساس لها من المنطق، وأنا قلت ذلك عندما سمعته. ولكن كيف سيتم ذلك؟ والأكراد يعلمون موقف هادي العامري رئيس كتلة البناء وموقف مقتدي الصدر من مشروع الاستفتاء الأخير على انفصال كردستان العراق، والأكثر من ذلك أن الفصائل التابعة للصدر والعامري قد اشتبكت بالفعل مع الشعب الكردي، وضيقت الخناق عليهم.
إن توجه الأكراد لهذا الاتجاه يهدف إلى تعميق الانقسامات في الساحة العراقية مستفيدين من معرفتهم بعمق الخلافات بين المكونات الشيعية، وعدم تأثير الأطراف السُنية في المشهد. مما يجعلنا نشكك في أهلية ومصداقية هذا التحالف الهجين، والذي يخفي أسئلة ليست بريئة بتاتا.
إذا صدقت الروايات السياسية حول المسار الكردي الجديد، فنحن أمام أزمة جديدة، ستظهر اثارنا مستقبلا، على الساحة السياسية العراقية. وستعمق أشكال الخلاف الموجود أصلا، خصوصا وأن المفاوضات الكردية مع الأطراف العراقية الأخرى تتعلق بما اقترفه العبادي بحقهم من أعمال عسكرية دعمها الصدر والعامري، وتقليص الموازنة بنسبة 5٪ تقريبا.
وهنا سؤال الاستنتاج والنهاية، إذا تم تشكيل الكتلة الأكبر بين الصدر والعامري والأكراد، وتم اقصاء أركان التحالفات الأساسية مثل المالكي والفياض والحكمة وغيرهم، هل فعلا سيصمد الكرد في مواجهة هذه القوى، وعلى الكرد أيضا أن يسألوا أنفسهم، هل نحن على درجة عالية من الأهمية في العلمية السياسية ؟ أم مجرد أرقام من أجل تخطي العتبة، وبعدها يتم تجميدنا بطريقة ما.