الإسرائيليون لم يعودوا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يُطبقون
فتح رضوان
13-09-2018 09:10 PM
نُسب إلى وزير الدفاع الإسرائيلي "موشى ديّان" أنه قال "إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون"كان هذا عشية حرب الأيام الستة (نكسة حزيران1967) حين استعرض موشيه دايان لصحفي هندي خطة إسرائيل لكسب الحرب سريعا عشية انطلاقها فاستغرب الصحفي الهندي إعلان موشيه استراتيجية الحرب فقال دايان عبارته الشهيرة أعلاه.
يقولون التاريخ يعيد نفسه والأيام دُوَل بين الناس يوم لك ويوم عليك. إن الظرف الذي تعيشه إسرائيل في وهم القوة وعدم قراءة الواقع هي تلك التي عاشاها العرب تأثرا بعبد الناصر وإعلامه الطاغي تأثيرا في الأمة العربية آنذاك.
تتلقى إسرائيل اليوم التحذيرات والنصائح من أصدقائها بأن لا تختار المسار المفضي الى الحرب وأن تضع حدا لجرائمها وتقبل بالسلام ولكن وهم القوة وعدم قراءة المتغيرات تعميها عن الإبصار فما هي هذه الحقائق والمتغيرات التي جعلتنا نشبه وضع إسرائيل بوضع العرب عشية حرب الأيام الستة.
لم تعد إسرائيل جنة الديمقراطية في بحر التخلف العربي ولم تعد ذلك الذخر الإستراتيجي للغرب وحضارته بل باتت العبء الأكبر عليه وبات من القوى العربية الفاعلة والمتفاعلة مع مؤسسات الغرب ما غير صورة الشخصية العربية في ذهن النخبة الغربية وغير القناعات لدى ساسة الغرب عموما بأنه يمكن الاعتماد على الدولة القطرية العربية كحليف استراتيجي بعيد المدى على عكس مخاوف الغرب عموما في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية وبروز معالم الثروة النفطية في العالم العربي وكذلك اختلاف قناعات نخبة يهودية داخل إسرائيل وخارجها في القدرة على الركون الى استقرار الدولة العبرية بسياسات يمينها المتطرف والذي ينتج الفعل المعاكس والطبيعي لهذا التطرف لدى الفلسطينيين (قوى المقاومة الفلسطينية على أرض فلسطين) وفكرا معاكسا لهذا التطرف الصهيوني لدى الشعوب العربية والإسلامية.
لم تعد صورة العربي في أذهان العالم كما صورته أفلام الدعاية الصهيونية في السبعينات والثمانينات وقبل ذلك من أنه ذلك الملثم لابس العباءة الذي يقود أمامه العبيد ويستعبد النساء ويعيث في الأرض فسادا وهو ما ساهم في تلك الفترة في تصوير إسرائيل على أنها الجنة الخضراء في صحراء العرب القاحلة والتي ليس فيها في ذهن الأوروبي أو الأمريكي البسيط سوى الجمل وسيلة للتنقل.
إن صورة الهمجية والعنف والاستهانة بحياة الآخر وكرامته أصبحت صورة إسرائيل في أذهان النخبة العالمية المستنيرة والتي لا ترضى باستمرار ذلك ولا ترى لهذا النمط من الحكم أي مستقبل أو قبول.
لا يريد اليمين المتطرف في إسرائيل أن يفهم أن فلسطين التاريخية لم تعد تتمتع بأي عمق استراتيجي ذو قيمة في أي حرب قادمة في ظل تنامي قدرات المقاومة الفلسطينية وقدرتها على تطوير أدوات الهجوم والوصول الى أي مكان في أرض فلسطين وقد كان هذا واقعا في الحروب الأربعة الأخيرة التي خاضتها إسرائيل مع المقاومة في كل من لبنان وفلسطين.
أما إقليميا فالمشروع الصهيوني متناقض مع المشروعين الإيراني والتركي إقليميا ولو افترضنا أن دول الاعتدال العربي لديها مشروعها فأقصى ما تستطيع أن تقدمه هذه الدول فوق الطاولة وبرضى شعوبها هو ما قدمته السعودية في القمة العربية في لبنان عام 2002 وهو قيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعودة اللاجئين مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل وهذا الكرم العربي مع إسرائيل ربما سيبكيه الإسرائيليون طويلا في زمن لا يبدو بعيدا.
لا يريد الإسرائيليون أن يفهموا أن مشروعهم لم يعدبذلك الإنسجام لا مع روسيا ولا مع الاتحاد الأوروبي بل أصبح تهديدا استراتيجيا لكل المشاريع السياسية الخاصة بالمنطقة في العالم مما سيجعل الكيان الإسرائيلي في مهب الريح في أي مواجهة إقليمية أو عالمية قادمة فلم تعد إسرائيل بتلك الأهمية الاستراتيجية حتى للمشروع الامريكي ذاته.
أما إذا بقيت المواجهة محصورة في أرض فلسطين فليس لهذه الحرب نهاية على افتراض أن القوى العالمية ستبقى حليفة لإسرائيل أو صامتة أمام غطرستها وذلك بعد أن حققت قوى المقاومة الفلسطينية توازن الردع مع اسرائيل من خلال مساحة منبسطة لا تتجاوز ثلاثمائة وستون كيلومترا مربعا (أرض غزة).
قد تتوهم إسرائيل أن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترمب وجماعته الإنجيلية التي أوصلته الى السلطة بعملية انتخابية لا تزال تحوم حولها الشكوك قادرة على إدامة الدعم لتوجهات اليمين المتطرف في إسرائيل. إن من المرجح أن تصيب الإدارة الأمريكية الحالية إسرائيل في مقتل فهذه الإدارة هي أول المنقلبين على النظام العالمي الحالي ومؤسساته التي دعمت وعززت وجود إسرائيل فَلَو استمرت هذه السياسة ستؤدي بشكل حتمي الى تراجع مكانة الولايات المتحدة عالميا مما سيثير نقمة الأمريكيين حين يدركون أثر قرارات ترمب على مكانة أمريكا في العالم إضافة الى ما أحدثته هذه الإدارة من انقسام سياسي داخلي حقيقي ولأول مرة بهذا الحجم والزخم في التاريخ الأمريكي بعد الاستقلال في القرن الثامن عشر فقد يصل الى السلطة قريبا في أمريكا أمثال برني ساندرز الذي كان مرشحا محتملا ومقبولا لدى شرائح واسعة في المجتمع الأمريكي في الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة في العام 2016 والذي كان معروفا بميوله الاشتراكية ورؤيته في الدول الاسكندنافية مثالا يحتذى في السياسة الداخلية والخارجية ومما يجعل هذا المنحنى ممكنا أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان يتبنى استراتيجيات مشابهة من جهة الاهتمام بالفقراء داخليا وكان يسعى في السياسة الخارجية الى اخراج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط والطيران بعيدا عن المنطقة ومشاكلها الى مناطق أكثر أهمية لأمريكا في العالم على الأقل من وجهة نظر أوباما الشخصية ولم تدم هذه السياسة طويلا لدى إدارة أوباما عند تسلمه السلطة بسبب مجموعة عوامل وضغوط داخلية وخارجية ليس هذا مقام التحدث عنها.
العالم يتغير بسرعة لم يتوقعها أحد ولا يمكن أن يكون لقادة اليمين الإسرائيلي أي قراءة واقعية حتى لحصانة المجتمع الإسرايلي وإيمانه بالدفاع عن إسرائيل فهذا المجتمع وكما هو غارق في العنصرية واليمينية المتطرفة فهو غارق أيضا في الرفاهية والترف والفرق بين هذا المجتمع وبين مجتمع الخمسة ملايين فلسطيني الذين لا يزالون داخل حدود فلسطين التاريخية كالفرق بين قط بري وقط أليف وشتان بين قدرة الاثنين على التحمل والمواجهة فلو هاجم الفلسطينيون كجماعات بشرية الكيان الإسرائيلي وانتشروا في أرض آبائهم وأجدادهم نتيجة فوضى أو حروب أشغلت القوى الحامية لإسرائيل عنها – لو هاجم الفلسطينيون في هذه الحالة المدن الإسرائيلية بأقل وسائل الدفاع عن النفس فلن يستغرق الانتشار الكامل للفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية أكثر من بضعة أشهر وهل ستنفع إسرائيل حينها طائراتها ودباباتها وأسلحتها النووية فما الحال وقد أصبح للفلسطينيين في غزة وحدها جيش باعتراف قادة الجيش الإسرائيلي ويمتلك من التكتيكات والقدرة على المناورة ما يؤهله للصمود بل وفرض التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل في ظل نظام عالمي لم يتفكك بعد ويعطي الشرعية للكيان الإسرائيي ومستكين تماما أمام غطرستها وعدوانيتها غير القابلة للاستمرار حسب قراءات كل دهاة السياسة حول العالم.
لقد نصح الثعلب توني بلير قادة إسرائيل بعد حرب العام 2014 على غزة وقال لهم أعطوا شعب غزة ما يجعلهم سيشعرون بالخسارة في حال اشتعلت حرب قادمة واليوم يهدد قادة حماس بحرق الأخضر واليابس إذا لم يرفع الحصار عن غزة وهذه بالضبط قراءة توني بلير لواقع غزة قبل أربع سنوات.
تواجه إسرائيل العالم بمنطق مدمر وهو الأحقية بمكان كانوا فيه قبل ألفي عام فهل شعوب العالم على استعداد لقبول ذلك حين سمحت أمريكا نفسها حامي الكيان الإسرائيلي الأول بأن يرأسها أسود لا يزال أفراد عائلته الأقربين مواطنين في أفريقيا.
وفي الخلاصة فمن الغريب أن لا يقرأ الإسرائيليون تاريخ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا فقد بدأ النظامان بنفس العام وبأوجه شبه عديدة، انتهى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بانتفاء الحاجة له في النظام العالمي وليس لأن هذا العالم تهمه العدالة وهذه هي الفكرة الأهم في هذا المقال، لقد انتهى ذلك النظام العنصري بانتخابات ديمقراطية في تسعينيات القرن الماضي فهل يتعظ قادة اليمين المتطرف في الكيان الإسرائيلي أن دوام كيانهم يستحيل في نظام عالمي تتغير أولوياته بشكل متسارع أو قد ينهار نتيجة اختلالات لا تزال تنتج المصائب للبشرية كل يوم وأن وجودهم لن يستمربغير الذوبان في المنطقة وإعادة الحقوق لأصحابها أو الرجوع من حيث أتوا حيث أصبحت إسرائيل وفي ظل صلف وعنجهية حاكميها أخطر مكان يمكن أن يتواجد فيه اليهود الان ويكونوا مطمئنين لمستقبل أولادهم في ظل كل المتغيرات فائقة السرعة حول العالم.