الهجرة النبوية وسْم التاريخ
د.فايز الربيع
13-09-2018 06:18 PM
عندما يكون الحدث هو العنوان ينظر الناس إلى مضمونه ليس تاريخ ميلاد لشخص- أو مناسبة وطنية- إنها التاريخ بكل تلاوينه ومفاصله- إنها مستقبل أمة -وبداية حضارة- إنها الهجرة النبوية- إنها ليست انسحاباً من أرض معركة إلى منطقة سلام - ولو كانت كذلك لكانت الى الحبشة - انها التحيّز الى فئة جديدة - تحرفاً لمواجهة - بعد أن جمدت عروق الفئة السابقة وأصرت على استمرار الكفر والمواجهة والأذى انها هجرة الى الله - انها النية الخالصة - من كل تجارة في الدين - أو تحقيق مصلحة أو رياء أو سمعة - انها لحظة الحقيقة الصادقة - التي تصطحب معية الله في كل الحركات والسكنات - (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)
انها هجرة أخذت بأسباب الدنيا رغم عناية الله التي تحوطها من تخطيط سليم بدءاً من الدار ومروراً بالغار وتغطيته للأثر وتعتيماً للخبر ، وهذا هو المطلوب من المسلم اذا أراد ان يكلل حياته بالنجاح - يأخذ بكل الأسباب ثم يتوكل على الله - وعندها سيجد رعاية الله تحوطه-
رغم الاذى الذي لحقه صلى الله عليه وسلم في مكة - بقي حبها في قلبه ، لان مكة الارض تسبح ، وكعبة الله توحد - ولكنه البشر - فالخلاف مع البشر وليس مع الارض ( انك أحب ارض الله لي - ولولا ان قومك أخرجوني منك ما خرجت).
نلمح قضية الإصرار على تحقيق الهدف - أرضاً ومنهجاً - بعد اقل من عقد يعود الرسول صلى الله عليه وسلم الى الارض التي اخرج منها - فهو خرج كي يعود - وأنشأ دولة كي يقود - ووطن مجتمعاً جديداً كي يسود - سيادة شرع ومنهج - وليس تسلط فرد أو حكم رغبة أو شهوة .
لقد تجسّدت ثلاث معانٍ مترابطة حق - وقوة - وحرية - حق بدأ ضعيفاً ثم حمته قوة - عنوانها الحرية - ومنهج افرز مجتمعاً متكافلاً ومتضامناً قل نظيره في التاريخ مجتمع المهاجرين والأنصار
ننظر حولنا الان فنرى وللأسف مهّجرين - كلهم اما عرب أو مسلمون - ضاع المنهج - ونكصت القيادات عن اداء دورها - وضاعت رسالتنا ومهمتنا - وقلصنا دورنا - تراجعنا - وتقدم غيرنا - ضعفنا وتقوى غيرنا - سفكنا دماءنا بايدينا - وأنفقنا ثرواتنا لتدمير ثرواتنا ونقف كل عام مع معاني الهجرة - يستذكرها الناس - وتمر شكلية الحدث دون الاستفادة من عمقه - وكأنه حدث روتيني - لم يؤدي الى تكوين أمة - وبعث دولة - وإفراز قيادة - وتثبت منهج - كانت عناوينه التوحيد عقيدة - والتكافل اُسلوب حياة - والمواطنة الحقة رديفةً لمجتمع ناشئ - وفوق كل هذا يقوده رسول رحيم قدوة فصّلوا من كانت الذكرى بسببه ، ونحن على أثره ، الى ان تعود لهذه الأمة قوتها ومنعتها باذن الله.