تمر الذكرى السابعة عشر لأحداث أيلول التي شهدتها الولايات المتحدة، والتي ستمسي فارقاً بين نهاية حقبة وبداية أخرى، في الزمان الأمريكي الذي نعيش مفاهيمه بتجلياتها.
وبعد هذه الأعوام، نعود للتساؤل ذاته، لماذا جرى ذلك؟ ولماذا وصلنا إلى هذه المرحلة التي خلقت تبعاتٍ لليوم نعيش تحدياتها، سواءُ كمجتمعات عربية أو مجتمعٍ أمريكي أو حتى حضارة إنسانية.
فالضحايا الذين خلفتهم هذه الأحداث، والجراح العميقة التي أصابت الإنسان الأمريكي، والمشاهد البصرية، ما زالت عالقة في الذهنية الأمريكية، والذهنية العربية أيضاً، التي شهدت مآسٍ لاحقاً لا تقل في فظاعتها وإجراميتها عما شهده المجتمع الأمريكي، بل وأسوأ منها.
إننا اليوم وحيال هذه الحادثة التي حملت ما بعدها ما حملت، نرى أن العنف الصاعد والمتغذي على الفكر المتطرف الأصولي، لن يخلق أي نتيجة، بل إنه يحيل عمراناً سواء في الشرق أو في الغرب إلى ركام ويقضي على مساحات الحياة.
وإن كنا اليوم، نعيش عصر المعرفة والتواصل والحضارة الإنسانية، إلا أننا ندفع ثمناً غالياً لتراجع مفاهيم العيش والحياة، فمدنُ كثيرة باتت تعيش وقع لياليها على الرعب والخوف والترقب.
وهذا الخوف المتمدد شرقاً وغرباً، يعبر عنه ما يجري في آوروبا بين فينة وأخرى من مظاهر الإرهاب التي تنال من الأبرياء، ويقابلها ما يجري في المشرق كذلك من مظاهر لجوء وهجرة وحسرات في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من ديار العرب.
وقديماً، قرأنا في التاريخ أن هناك مشرقاً ومغرباً، لطالما ساد بينهما لغة الصراع تارة ولغة الحوار في أحيان أخرى، ولكن التاريخ يحدثنا أيضاً، أن هذين المتجاورين مرتبطين إرتباطاً وثيق الصلة ببعضهما.
واليوم، وبعد هذه السنوات وما حملته من ضحايا نتيجة الإرهاب والفكر المتطرف، الذي اتسع داءه وشح دواءه، بحاجةٍ إلى أن نشعر كمجتمعات إنسانيةٍ إلى ضرورة تجاوز هذه المرحلة المثقلة بالظلم، إذ لا يعقل أن تبقى مشاهد الموت هي الطاغية على مفاهيمنا البصرية، في زمان المعرفة والتواصل العالمي.
وبناء هذا الخطاب بحاجة إلى "عقلاء" في الشرق والغرب، وبحاجة إلى صوت الحكماء، حتى لا نخسر أكثر، فمفاهيم العدالة لمن هجروا من أوطانهم بمشرقنا العربي سواء في فلسطين أو سوريا أو حتى أمن العراق هي حاجة لكي نبني ثقافة مضادة لهذا الفكر، وهذا ما على الغرب ، وتحديداً أمريكا أن تعيه.
كما أن لجم هذا التوحش، لا إدارته، المنبثق من هذا الفكر، يكون بتحقيق العدالة .. وذلك ممكن إن أحسنا انتاج سياسيين كبار.