المهمة المستحيلة .. إنقاذ الدولة والإدارة
رومان حداد
13-09-2018 12:14 AM
يقف الأردن اليوم أمام امتحان استعادة الدولة لمعناها العميق أي الدولة البيروقراطية والمؤسساتية، وما نلمسه من حالات فشل في الإدارة الأردنية يظهر حجم المشكلة وتداعياتها، فبمقدار ما يبدو الأمر الخارجي ضاغطاً على خيارات الأردن ودوره وشكله المستقبلي، بمقدار ما تشكل البنية الداخلية العقبة الكبرى في التحرك نحو أي قرار.
خلال فترة من عمر الدولة الأردنية تم العمل ببطء على خلخلة بنية الدولة، وليس فكفكتها كما كان البعض يعتقد، ففي حين أن التفكيك يعني إزالة الأجزاء المكونة للدولة، وهو يتم من خارج بنية الدولة، فإن الخلخلة تعني العكس تماماً، فهي التغلغل داخل بنية الدولة وإحداث إزاحات بسيطة بمسننات العجلات المحركة للدولة لمرحلة تبدو الدولة موجودة ظاهرياً ولكنها غير قادرة على الحركة فعلياً.
وخطورة عملية الخلخلة تتأتى من أننا لا يمكن أن نرصد كل عملية إزاحة بسيطة بمسننات الدولة، ولكن في ذات الوقت يتشكل لدى العامة انطباعات بعدم قدرة الدولة على الحركة رغم حضورها الكثيف وغير المبرر أيضاً، مما يخلق حالة من عدم الثقة بالدولة ومؤسساتها، هذا العطب الذي يصيب أجهزة الدولة التي تم خلخلتها ينتقل إلى أجهزة أخرى لم يتم خلخلتها ولكنها غير قادرة على العمل وحدها، واستمرار هذه الحالة يقود إلى حالة من اليأس من إحداث أي تغيير ذي جدوى أو نوعي قادر على إعادة الحياة والحركة لآلة الدولة، ويؤدي، وهو الأخطر، إلى تراجع حالة الانتماء لدى المواطن ولدى الموظف العام على حد سواء.
المعركة الحقيقية هي إعادة تركيب المسننات داخل الدولة بصورة تجعل ماكينة الدولة قادرة على الحركة، فحين يستطيع كل مسنن من الدولة تحريك المسننات المرتبطة به فهذا يعني أن الدولة قادرة على نقل الحركة داخل جسدها، وحين تكون الدولة قادرة على الحركة داخلياً بفاعلية فإن هيبتها تتحقق بعيداً عن شعارات الانتماء الرنانة.
معركة إعادة بناء الدولة الأردنية يجب أن تكون معركة (بيضاء)، بمعنى أن الغاية منها بناء الدولة بصورة قابلة للحركة وإحداث نتائج ملموسة، وتبدو بوابة البيروقراط الأردني هي أرض المعركة الأولى، فاستعادة البيروقراط لدوره التسييري وقدرته على قراءة مابين السطور، واحترامه للنصوص وروحها واستشعاره لحساسيات التركيبة الأردنية، كل ذلك سيساعد في مرحلة إعادة البناء على إعادة تشكيل الوعي الإداري والبيروقراطي الأردني، وتركيب المسننات الأولى في الدولة الأردنية في مكانها الصحيح.
وفي ذات الوقت لا بد من إطار نظري يؤسس للمرحلة القادمة حتى نعرف ماهي القيم التي تقوم عليها (معركة) إعادة البناء، ولنسائل القائمين عليها، ويتأتى ذلك من خلال خطة وطنية يتم وضعها على أيدي أشخاص خبروا العمل العام وأدركوا أهمية الحفاظ على مكونات الدولة واستعادة هيبتها، وعلى أن يكونوا قادرين على قراءة سيناريوهات ما يحمله المستقبل للمنطقة، وأن يتمتعوا بامتداد شعبي وتمثيلي يعطي زخماً حقيقياً لوجودهم.
التغيير بات مطلوباً الآن أكثر من أي وقت مضى، وكل تأخير في إحداث التغيير يحملنا خسائر قد لانستطيع تعويضها، وما حدث في شهر أيار الماضي يجب أن يشعرنا بحجم التغيير المطلوب، وعلى أجهزة الدولة المختلفة أن تدرك أن الهدوء السائد في الجو العام ليس سكون الموتى، بل قد يكون الهدوء ما قبل عاصفة التغيير، وهنا لا يجوز ترويج قراءة خاطئة عن الوضع العام، أو أن نتلكأ بالقراءة ونتأخر بالعمل.
فالتغيير المقصود والذي ينادي به غالبية الأردنيين ليس تغيير أشخاص فقط بل تغيير أدوات، والقادم من الأيام سيكشف عن إمكانيات التغيير وحدوده، وسيرسم التصور لدور الدولة داخلياً وقدرة الأردن على امتلاك دوره خارجياً خلال العقد القادم على أقل تقدير، علينا جميعاً أن ندرك أنه في مرحلة ما قد يكون الإصلاح أو العلاج متعباً ومؤلماً، ولكن إذا لم نقم به فإنه (الإصلاح أو العلاج) يصبح غير ممكن.
roumanhaddad@gmail.com
الرأي