**** اصلاح العمل البرلماني يحتاج الى تعديلات دستورية لا تحتمل التأجيل
منذ عودة الحياة البرلمانية عام (1989) والبرلمان الاردني (مجلس الامة) - يعقد دورة استثنائية واحدة على الاقل. كل عام برلماني.
دعوة مجلس الامة للانعقاد "استثنائياً" حق للملك كما هو حق للاغلبية المطلقة من النواب, لاقرار "امور معينة" "عند الضرورة". (المادة 82/1، 3,2 من الدستور).
في التطبيق تحول "الضروري" الذي يتطلب الخروج عن "القاعدة" عرفاً مستقراً. وتحديداً "الامور المعينة" حق للسلطة التنفيذية من دون سواها.
في الاخراج "تتوافق السلطتان التشريعية والتنفيذية في تحديد الامور المعينة (جدول اعمال) التي يسمح بحثها من دون سواها في الدورة الاستثنائية.
حالة التوافق او "التواطؤ" بين السلطتين تترجم في كل دورة استثنائية, بقائمة طويلة من مشاريع القوانين قد تصل الى اكثر من ثلاثين مشروع قانون, لم يسبق ولو لمرة واحدة, ان انهى مجلس الامة إقرار القائمة (الامور المعينة) المعروضة عليه "للضرورة".
من الواضح ان هدف الدعوة الى دورات استثنائية لمجلس الامة هو اقرار التشريعات التي ترغب السلطة التنفيذية بتمريرها. وتعتبر ذلك من حقها. وتسقط من حساباتها, الوظيفة الدستورية للدورة الاستثنائية لمجلس الامة, التي تتحدث عن "الضروري" وتعوم السلطة التنفيذية معنى "الضرورة" في النص الدستوري (المادة (82) من الدستور), وتسحبه على كل التشريعات التي ترغب في تمريرها باعتبارها ضرورية بالمعنى المطلق للكلمة وليس بالمعنى الدستوري.
هذا من ناحية, ومن ناحية اخرى. ترفض السلطة التنفيذية بتوافق (تواطؤ) مع السلطة التشريعية, اعتبار الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية, ايضاً "ضرورة" بالمعنى اللغوي المطلق للكلمة. لذا, نرى ان مطالبة الاغلبية المطلقة من النواب, بادراج بند ما يستجد من اعمال مثلاً -وهو عمل رقابي - على جدول اعمال الدورة الاستثنائية لا يؤخذ به ويضرب به عرض الحائط.
مناقشة واقرار "امور معينة" حق دستوري للاغلبية النيابية المطلقة, لا يشاركها فيها احد. ولا يحق لرئيس مجلس النواب "التوافق" لاسقاط هذا الحق الدستوري. وسلطة تقدير ما هو "ضروري" هي حق للنواب كما هي حق للسلطة التنفيذية يمارسها كل طرف بما يعنيه ولا حاجة للتوافق بينهما.
لجوء السلطة التنفيذية للدعوة الى دورات استثنائية يبرر بأن مدة الدورة البرلمانية العادية (اربعة أشهر) غير كافية لانجاز التشريعات المطلوبة, وان مجلس النواب يستنزف حصة كبيرة من وقتها في المناقشات السياسية "الثقة" والموازنة واعمال الرقابة الاخرى. اما في الدورة الاستثنائية فلا مضيعة للوقت, فالوقت ينصب لانجاز التشريع.
يبدو هذا الكلام منطقياً للوهلة الاولى. لكن ما ليس منطقياً فيه ان السلطة التنفيذية, تبحث عما لها وتسقط ما عليها من واجبات، بتحررها من اعمال الرقابة البرلمانية وصداعها.
حقاً ان مدة الدورة البرلمانية العادية (اربعة أشهر) غير كافية ولا يعقل ان يعمل البرلمان بكامل صلاحياته ومهماته الدستورية اربعة اشهر فقط في العام البرلماني.
البرلمان عندنا راض بما قُسِمَ له, ولم يتحرك, باتجاه تعديل الدستور لاطالة مدة عمله لتصل الى ثمانية اشهر على الاقل او لعقد دورتين عاديتين كل عام, كما تعمل جميع برلمانات الدنيا. برلماننا يتخلى طوعياً عن مهمات اساسية مناطة به دستورياً لمدة ثمانية اشهر. والسلطة التنفيذية مرتاحة, وسعيدة لهذا الكرم الدستوري الذي يحررها من سيف الرقابة والمساءلة.
نحن امام حالة ومظهر من مظاهر "تغول" السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية. وهو استمرار لحالة تقادمت كانت فيها السلطة التشريعية لا تحتاج لاكثر من اربعة اشهر لانجاز مهمتها "الوحيدة" وهي التشريع.
اما اليوم, فوظيفة البرلمان اصبحت اوسع واشمل والحاجة لدوره السياسي (الرقابي), اصبح اكثر من "ضروري" ناهيك عن الحاجة الى تشريعات لمواكبة التطور والتأسيس لدولة القانون والمؤسسات.
اصلاح العمل البرلماني يحتاج فيما يحتاج الى تعديلات دستورية لا تحتمل التأجيل في القلب منها اطالة مدة عمل البرلمان وتقصير مدة الاجازة البرلمانية. وهذه مهمة اعضاء مجلس الامة, كما هي مهمة كل الاصلاحيين الذين ينشدون برلماناً فاعلاً يحتل مكانته الدستورية باقتدار.
bassam.haddadeen@alghad.jo
بسام حدادين