الموقف الاردني من الكونفدرالية
د. هايل ودعان الدعجة
12-09-2018 12:16 PM
يبدو ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب بات يتعامل مع ملف القضية الفلسطينية بصورة انتقامية ، وتحت تأثير الصدمة ( والخيبة ) التي انتابته على وقع ردود فعل دول العالم السلبية تجاه الخطوات والقرارات التي اتخذتها ادارته حيال هذا الملف ، تماشيا مع خطة السلام الاميركية او ما يسمى بصفقة القرن ، بهدف تصفية القضية الفلسطينية ، ضاربا بالمرجعيات والقوانين والقرارات الدولية عرض الحائط ، عندما قرر الانحياز الكامل الى جانب الكيان الاسرائيلي ، بصورة جعلت الولايات المتحدة تشعر بالعزلة والانكسار وهي تتلقى هذه الصفعة ، وذلك رغم نفوذها وهيمنتها على المنظومة الدولية ، والتهديدات التي اطلقتها بقطع مساعداتها المالية والاقتصادية والعسكرية عن الدول التي لن تقف الى جانب خطواتها الانقلابية على الثوابت الدولية حيال الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ، وتحديدا فيما يخص الالتفاف على قضايا الوضع النهائي ومحاولة الغائها وانهائها ، كالقدس وقضية اللاجئين وحق العودة .
حيث قام الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ، وبنقل سفارة بلاده اليها . وهو ما رفضته دول العالم ، التي تعتبر القدس مدينة محتلة ، ولا سيادة لاسرائيل عليها ، ونفي اليونسكو لوجود اي ارتباط ديني لليهود بالقدس والمسجد الاقصى . كذلك فقد رفضت السلطة الفلسطينية استمرار الولايات المتحدة في دورها كراعية للعملية السلمية ، بعد ان باتت غير مؤهلة للقيام بهذا الدور ، وامتناعها عن عقد لقاءات او اتصالات مع ممثلي الادارة الاميركية ومبعوثيها الى المنطقة على خلفية الموقف الاميركي المنحاز . ما استفز الرئيس ترامب ودفعه الى الاستمرار في تحدي الارادة الدولية ، والى اتخاذ المزيد من السياسات الابتزازية والانتقامية من الجانب الفلسطيني ، انتقاصا لحقوقه المشروعة ، ممثلة في محاولته الغاء حق العودة ، وسحب الاعتراف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الاونروا ) ودورها، ووقف المساعدات المالية الاميركية عنها ، ومحاولة تحويلها الى الدول المستضيفة للاجئين تمهيدا لتوطينهم فيها . او الى منظمات دولية ، كالمفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين ، لازالة هذا الملف وشطبه ، بحيث لا تبقى وكالة الغوث مختصة باللاجئين الفلسطينيين ، كشاهد على هذه المأساة السياسية والانسانية ، وجرائم الاحتلال الاسرائيلي . وعزمه اعادة تعريف من هو اللاجيء الفلسطيني ، ليقتصر على من غادر الاراضي الفلسطينية ١٩٤٨ ، بحيث لا يشمل الابناء والاحفاد واختزال عددهم بنصف مليون فقط بدلا من ٥،٥ مليون . اضافة الى قطع مساعدات اغاثية وتنموية وطبية بقيمة ٢٠٠ مليون دولار ، ووقف الدعم المالي عن مستشفيات القدس ، وكذلك اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن . وما رافق هذه الاجراءات الانتقامية من دعم اميركي للاجراءات الاسرائيلية التي تصب في نفس الاتجاه ، ممثلة باقرار قانون يهودية اسرائيل العنصري ، وتكثيف الاستيطان وعمليات التهويد وتدشين مخطط القدس الكبرى لتوسيع حدودها ، وضم اراضي الضفة الغربية الى السيادة الاسرائيلية ، ما يمكن ادراجه تحت مسمى صفقة القرن ، التي تستهدف ضرب المشروع الوطني الفلسطيني وتفكيكه وتصفيته . الامر الذي ينطبق على الحديث عن موضوع الكنفدرالية ، الذي تمت اثارته مؤخرا ، والذي يندرج في سياق الحديث عن صفقة القرن ايضا ، بوصفه احد ادواتها ومخرجاتها التي تستهدف انهاء ملف القضية الفلسطينية على حساب الاردن ، الذي يرفض هذا الطرح بشدة ، ويرى انه لا بديل عن حل الدولتين ، واقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ، وعاصمتها القدس الشرقية .
وهو الموقف الاردني الثابت والراسخ الذي أكد عليه جلالة الملك عبد الله الثاني خلال لقائه بالمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى مؤخرا ، معتبرا ان الكنفدرالية خط احمر بالنسبة الى الاردن ، حيث تساءل مستهجنا ومستغربا هذا الطرح .. كنفدرالية مع مين ؟ . خاصة وان الكنفدرالية لا يمكن لها ان تتم الا بين دول مستقلة وذات سيادة . الامر الذي لا يتوفر في الحالة الفلسطينية ، التي يراد التعامل معها على حساب امن الاردن وهويته ومصالحه من خلال تغيير وضعه الديمغرافي والجغرافي ، واقحامه وتوريطه بادوار وظيفية امنية ومدنية ، لتكريس صيغة الخيار الاردني او التوطين او الوطن البديل ، الذي سيصب في صالح الكيان الاسرائيلي ومن بوابة حل القضية الفلسطينية على حساب الاردن ، عبر نقل الرعاية الامنية على الضفة الغربية دون القدس له .
دون ان نغفل خطورة اثارة موضوع الكنفدرالية في هذا التوقيت في ظل ادارة اميركية يقودها الرئيس ترامب ، الذي قام بتنفيذ الكثير من وعوده وتهديداته ازاء ملفات وقضايا دولية ( الإنسحاب من اتفاقيات ومنظمات دولية) واقليمية ( الانحياز الى الجانب الاسرائيلي في صراعه مع الجانب الفلسطيني ) . ما يجعلنا نعول كثيرا على الدبلوماسية الاردنية التي يقودها جلالة الملك في مواجهة هذه المخاطر الامنية في ظل الجهود والمساعي الملكية الدؤوبة ، التي امكن لها بلورة حالة من الوعي السياسي الدولي ضد الخطوات الاميركية ورفضها ، باعتبارها مخالفة للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة . في إشارة الى حرص جلالة الملك على وضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته التاريخية والقانونية والانسانية والأخلاقية في التعاطي مع القضية الفلسطينية وموضوع القدس ، انطلاقا من الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية ، والدور الأردني الديني والتاريخي في القدس الشريف ، للحفاظ على الوضع القائم ، والحيلولة دون تهويدها وتغيير هويتها وطابعها ومعالمها العربية والإسلامية والتاريخية.