قضيّة عزمي بشارة هي فضيحة إسرائيلية بامتياز ، فالكيان الذي قام على أنقاض الآخر ، وبدأ وجوده بالدم ، وواصل وجوده بالدم ، ولا يستطيع الاستمرار إلاّ بالدمّ ، يقدّم أسوأ نموذج إنساني في التعامل مع شخصية عربيّة "إسرائيلية" ، لم تحمل السلاح في يوم ، وبحد تعبيره هو: لم أقتل حشرة صغيرة في حياتي.
ومشكلة عزمي أنّ حياته تلخّص مسيرة عرب إسرائيل في شخص ، ومشكلة إسرائيل معه أنّ امتداده يصل إلى آخر الأرض شرقاً ، وآخرها غرباً ، مع كلّ إنسان يرفض القتل والظلم والدمار ، وأنّ مجاله الحيوي يستغرق مساحة العالم العربي بأسره ، لا مجرّد كونه نائباً في برلمان ، أو سياسياً يناور من إجل مكسب ، أو مناضلا ضمن حلقة ضيّقة من الناس.
وهناك قرار إسرائيلي واضح ، ومحسوم ، بقتل عزمي ، إن لم يكن بجسده ، وهذا أمر وارد ، فبوجوده الدائم الذي يفضح في كلّ لحظة أسس الكيان الذي يدّعي الديمقراطية ، وتحويل الرقم الصعب الذي يمثّله إلى صفر على الشمال ، في زنزانة تعتمد على أنّ ذاكرة الناس مثقوبة ، وأنّ غيابه عن الحدث اليومي ، وتواصله الدائم مع الناس ، سيحوّله إلى أثر بعد عين. ومع بداية قضيّة بشارة ، كنتُ أدعوه إلى العودة والمواجهة ، ومع التطوّرات التي تلت كان لا بدّ من اقتراب جديد للمسألة ، فمن أجل الرجل غُيّرت القوانين ، ولسبب الحدّ من حرية حركته تغيّرت السياسات ، ولأنّ رأسه بات مطلوباً أكثر من أيّ وقت مضى تُراكم الملفّات الأمنيّة ، ويبدو أنّ أيّ قرار غير محسوب بالعودة ، بالظروف الزمنية والسياسية ، سيكون إعادة لمشهد قطع رأس يوحنا المعمدان وتقديمه على طبق من ذهب. العودة ليست خياراً ، بل هي حتمية ، هذا ما يقوله لنا عزمي ، ولأنّ على الحسابات أن تكون دقيقة نتمنى عليه استخدام ميزان الذهب في الأمر ، ولأنّ الأردن كان المبادر في دعم بقايا الفلسطينيين في بلادهم ، نتمنى على صاحب القرار أن تكون عمّان مستقره المؤقت.