عندما تضحي خيارات الحكومة خيارات وطن .. !!
د.طلال طلب الشرفات
12-09-2018 01:52 AM
التطورات الأخيرة لمشروع قانون ضريبة الدخل كانت سبباً ملِّحاً كي يخرج مشروع قانون الضريبة بهذا الشكل، لأن البديل كان ينبئ بتداعيات اقتصادية وسياسية كبيرة، وتدخل الوطن في أتون المساومة التي لا يقبلها الضمير الوطني، ولا يرضخ لها الأحرار الذين بنوا الوطن بسواعدهم، ووضعوا الهوية، والتراب في حبات عيونهم، وأقالوا كل تطلعات البوح، والشكوى، والاحتجاج. عندما يكون الاختبار والخيار هو الرضوخ والخنوع أو الإستقلال في قرارنا الوطني، وكرامة شهدائنا وطموح ابنائنا.
إنَّ الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي تتجاوز - في ظني- الرؤى الاقتصادية إلى حالة من الإملاءات السياسية، وهي حالة أسهمت حكومات سابقة -للأسف- في إغراء الصندوق بها من خلال اقتراحات، ووعود موجعة. حان الوقت الذي يتوجب علينا فيه أن نتجرع نتائج تلك الوعود المتسرعة بمزيد من المعاناة، والصبر الشعبي، والتوحد الوطني؛ الذي لا بديل عنه في هكذا ظرف دقيق، ويعيد للأذهان جمال التوحد الأردني، واللحمة الوطنية في الأزمات والملمات، ولا أظن أن هناك أزمة أخطر أو أدق مما نحن فيه الآن.
أيُّ طرح في هذا الوقت من القوى الشعبية، أو الحزبية والنقابية نحو خيار الاحتجاج على مشروع القانون الذي ستقدمه الحكومة؛ سيصب في خانة مصلحة الإملاءات السياسية الخارجية التي يحاول أقطاب الصندوق وأعوانهم في الداخل أن يفرضوها على الأردن الصابر، المرابط في هذا الظرف الدولي الملتهب والمشتبك بتدخلات، وتداخلات صعبة في منطقة الشرق الأوسط وفي ملف تصفية القضية الفلسطينية تحديداً.
الشعوب الحيّة تنحاز لأوطانها، وتسند حكوماتها في الظروف الصعبة. وعلينا الاعتراف أننا في مأزق اقتصادي داخلي، وتحديات خارجية خطيرة، ومتفاقمة؛ تستدعي نكران الذات، والتخلي عن أساليب المناكفة السياسية، والاستقواء على خيارات الدولة الصعبة، واستخدام الإعلام كأسلوب لإنهاك الحكومة وإضعافها، وضرب تماسكها، وأشغالها عن معالجة القضايا السياسية، والاقتصادية وغيرها. والأهم أن الواجب الوطني يقتضي من مفاصل الدولة، ورجال الحكم من رؤساء الحكومات السابقين، ونوابهم، وأعيان الوطن ورجالاته أن يقوموا بواجبهم الوطني في توحيد الأردنيين، وتحديد الأولويات الوطنية، والاسلوب الأمثل لخدمة الدولة الأردنية، ومصالحها الوطنية العليا.
نخشى أن يكون البديل لقبول الحد الأدنى من متطلبات صندوق النقد الدولي مرعباً في العام القادم، والنتائج التي ستنجم عن رفضها ستكون خطيرة؛ ليس في الشأن الإقتصادي وحسب، بل في الشأن السياسي أيضاً. والحكومة مدعوّة الآن لمصارحة الشعب بالواقع المُرّ الذي نعيشه، وأن ينهض الوزراء عن مقاعدهم ويطوفوا أرجاء الوطن لإجراء مزيداً من الحوار أو التشاور مع الفعاليات الشعبية، والأهلية، والفكرية، والعلمية؛ لأن عجز غالبية الوزراء في الحكومة السابقة واللامبالاة في الدفاع عن وجهة نظر الحكومة التي رافقت الاحتجاجات الشعبية؛ أسهمت إلى حدٍّ كبير في إفول نجم الحكومة وانهيارها المريع وقتذاك.
المسؤولية الوطنية لكافة القوى الوطنية، والنقابية تقتضي قراءة المشهد الوطني بعيداً عن مشاعر الاستقواء، واستثمار مشاعر الفقراء؛ لتقويض أركان الدولة بقصد، أو بدون قصد، لأن البديل في كل الأحوال سيكون أكثر خطراً من آثار قبول تلك الوصفة؛ تاكيداً لمضامين المثل في البادية الأردنية الذي يقول: "إن الذي يدفعنا للمرّ هو الأكثر مرارة" وحمى الله وطننا الحبيب، وشعبنا الطيب، وقيادتنا الحكيمة من كل سوء .....!!