هذه القصة ليست للمناكفة، ولكنها للحب.. وثمة فارق بين الحب والمناكفة.
في حكومة معروف البخيت الثانية، تلقيت هاتفا في السابعة والنصف صباحا، لم أرد كنت نائما ولم أنتبه للرقم، ولكن
الإتصال عاد مرة أخرى.. فأجبت، كان الرئيس معروف البخيت قال لي: (آسف أزعجتك.. بس ممكن تجي ع الرئاسة اليوم).. واتفقنا أن أزوره في الواحدة.
لم يستقبلني في مكتبه، بل في مكتب صغير بالطابق الأول.. وكان قد عين طاهيا عسكريا في الرئاسة، وقد أحضر لنا وجبة سبانخ مع اللحمة.. بسيطة جدا، ومعها القليل من الخبز...
هو أكل قليلا، وأنا التهمت كامل وجبتي، ثم بدأ الحديث عن مشروع ثقافي وطني، قال لي يومها: المشهد الثقافي موزع بين مؤسسة شومان ووزارة الثقافة، والمركز الثقافي الملكي.. وبين مؤسسات (الأن جي أوز ).. وبين إعلام يختطف المشهد الثقافي لنفسه، وبين أحزاب تنتج مشهدها الثقافي بما يتناسب مع (ايدلوجيتها).. ثم قال لي جملة مهمة: الدولة ليس لها سيادة فقط على الأرض والسماء، أخطر أشكال السيادة هي على الوجدان حين تصونه، وتحفظه.. وأكمل: علينا إنتاج مشروع ثقافي وطني خالص.. ثم تحدث لي عن النمط الذي أكتب به قال لي: أنت تكتب عن العسكر، جيدا..
تكتب عن ثقافة الجيش والأنماط الإجتماعية لحياة منتسبيه.. وهذا الأمر مهم جدا.. ونحتاج لأن نطور هذه الثقافة ولا نجلعها مقتصرة على الأغنية.
أنا استمعت للرئيس جيدا، وكان على ما يبدو يخطط لمشروع ثقافي، يعيد للدولة سلطتها على هذه المؤسسات.. بحيث لا تستقل مؤسسة عن المرجعية الأم وهي وزارة الثقافة.. كان يخطط لمظلة جامعة، وقانون جديد ربما..
حين أنهى سألته وما دوري أنا؟ فأخبرني عن وصفي التل وأهمية الإعلام لديه، أخبرني عن دور جورج حداد وطارق مصاروة وكيف كانوا يروجون عبر الإعلام، أفكار الحكومة ويشكلون تهيئة شعبية للقرارات.. طلب مني أن أروج للفكرة وأكتب عنها.. وأنا للأمانة كنت مقتنعا بكل كلمة قالها.. ولكن على ما يبدو أن عمر حكومته لم يمهله لتنفيذ
مشروعه..
معروف لم يكن يقصد التدخل فيما تكتب، ولكنه عرض فكرة مهمة ورائدة.. وهي أنه لا يجوز أن يكون هنالك استقلال لمؤسسة ثقافية، عن المظلة الأم والمرجعية، وهي وزارة الثقافة.
في بلادنا ثمة فارق بين رئيس، يخاطب وعيك.. ويجير قلمك لحالة وطنية وليست شخصية، ويقنعك بضرورات المشروع.. وفي النهاية تكتشف أنها حكومة تحالفاتها قامت مع العقل. معروف البخيت كان يمارس معنا، دبلوماسية الوعي..
دولة الرئيس تأخرت في رد دعوة السبانخ باللحمة، فهل تقبل مني أن أرد لك الدعوة..
وعلى سبانخ باللحمة أيضا.
Hadi.ejjbed@hotmail.com
الرأي