الوجه الآخر لـ"الخيار الأردني"!
د. محمد أبو رمان
06-06-2009 07:27 PM
يصعب تجاهل أنّ خطاب أوباما أحدث منعطفاً تاريخياً في طبيعة الخطاب السياسي الأميركي تجاه العالم الإسلامي، مخترقاً الكثير من الحواجز الثقافية والنفسية في بناء حوار حضاري تصالحي صريح.
ولعلّ أبرز إيجابيات الخطاب تمثّلت بطيِّه صفحة "صدام الحضارات"، التي حكمت من وراء ستار مقاربة المحافظين الجدد والرئيس السابق بوش وأشعلت فتيل حروب اكتسبت طابعاً حضارياً متوارياً، ومنحت القاعدة "فرصة تاريخية" لاستثمار هذه التوجهات اليمينية الأميركية في حشد التأييد وبناء القدرات على التجنيد وراء خطابها الأيديولوجي بذريعة أنّها المدافع عن الأمة الإسلامية في مواجهة "الحروب الصليبية".
إلاّ أنّنا إذا ابتعدنا عن "رمزية الخطاب" السابقة، واتجهنا أكثر نحو القضايا الواقعية التي تشكل الامتحان العملي لخطاب أوباما فإنّ قيمة الخطاب سوف تتراجع كثيراً.
الصراع العربي- الإسرائيلي ومسار التسوية السلمية بمثابة مفصل مهم في تحقيق "المصالحة التاريخية" التي تحدّث عنها أوباما. وإذا كان قد أظهر خلال الأيام الأخيرة موقفاً صارماً من إسرائيل في تأكيده على رفض طرح الحكومة اليمينية حول "التسوية الاقتصادية"، وأكد على "حل الدولتين" وطالب بوقف الاستيطان، إلاّ أنّ ما جاء في خطابه حول هذا الملف عموماً مقلق!
أوباما وإن حاول إظهار الموضوعية وتحميل الطرفين (الفلسطيني، العربي) والإسرائيلي مسؤولية الحل التاريخي، إلاّ أنّه لم يكن متوازناً من ناحية، وكذلك بقي في العموميات، التي ملّ الناس منها، تاركاً التفاصيل والتصورات النهائية في "المساحة الرمادية".
فهو تحدّث عن معاناة الإسرائيليين من "بعض الصواريخ" التي تصدر عن المقاومة الفلسطينية مهولاً من آثارها، بينما لم يقترب، ولو بكلمة واحدة، من محرقتي غزة وجنوب لبنان، اللتين راح ضحيتهما آلاف المدنيين، وذكّر العرب بالهولوكوست الإسرائيلي (مع أنّه لا علاقة لهم به!) مدللاً بذلك على مشروعية إقامة وطن قومي لليهود، وهي لغة خشبية مهزوزة!
في الجانب العملي من التسوية، ما نزال ننتظر الخطة الأميركية حول المرحلة المقبلة، وحول التصورات التي تحتفظ بها لصورة التسوية النهائية، ولا داعي للاستعجال في الحكم، إيجاباً أو سلباً، لكن هنالك مبررات للحذر.
ذلك أنّه في الوقت الذي طالب فيه أوباما إسرائيل بوقف الاستيطان لم يتحدث عن المستوطنات الحالية في الضفة الغربية وعن مدى مشروعيتها. وحين تحدّث عن الدولة الفلسطينية ربطها بالحياة اليومية للفلسطينيين، وكأنّ هدفها إنساني اقتصادي فقط، وليس حقاً تاريخياً قانونياً سياسياً في الأساس.
ما هو أهم من ذلك أنّ أوباما لم يحدد طبيعة الدولة الفلسطينية ولم يتعهد أن تقوم على كامل الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ولم يتحدث عن مصير القدس بصورة واضحة، كما غاب الحديث عن اللاجئين ومصيرهم.
ما هو مقلق، أيضاً، أنّ أوباما عندما تحدث عن الطرف العربي قال، ضمنياً، إنّ المبادرة ليست نهاية الطريق بل بدايتها، ما قد يعزز بعض التسريبات التي ذكرت أنّ الإدارة الأميركية طلبت من العرب، مسبقاً، تقديم تنازل واضح في حق اللاجئين، وهو ما عكسته التصريحات المنسوبة للرئيس عباس في واشنطن.
وفقاً لهذه القراءة، فإنّ تعهدات أوباما في مضمونها الحقيقي العملي لن تتجاوز ما تتحدث عنه الأوساط الإسرائيلية من حكومة فلسطينية هزيلة مؤقتة وحكم ذاتي محدود، تمهيداً لوحدة شكلية مع الأردن تخلص إسرائيل من المشكلة "السكانية الفلسطينية"، وعبئها الأمني والسياسي والتاريخي!
الخشية أن يكون رفع الحكومة اليمينية الإسرائيلية سقف خطابها وإعلان رفضها لحل الدولتين وتبنيها ضمنياً "الحل الأردني" بمثابة "مناورة تفاوضية"، كي يبدو قبولها بحل دولتين شكليا، وكأنه تنازل كبير، بينما هو وهمي، لا يعدو في الحقيقة أن يكون تلاعباً باللغة والكلمات.
العبرة، إذن، ليست في تأكيد أوباما على "حل الدولتين"، إنما في مضمون وصلاحيات واستمرارية الدولة الفلسطينية وقدرتها على الحياة، وإلاّ فإنّ هذه التعهدات تمثل الوجه الآخر للخيار الأردني عاجلاً أم آجلاً.
التحذير، هنا، من المبالغة الإعلامية والسياسية في رفع سقف التوقعات من إدارة أوباما، كأن يقول أحد السياسيين "إنه تصور أوباما وهو يخطب وكأنه عمرو موسى". أعتقد أنّنا شبعنا من التعلق بالأوهام والأمنيات الخادعة!
(عن الغد)