تتداخل الأبعاد الإنسانية والسياسية في تقويم قرار النائب العربي السابق في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة الاستقالة من موقعه الرسمي والعيش في المنفى بعد أن وجد نفسه في مواجهة الاتهامات التي وجهتها له إسرائيل.
البعد الإنساني يبرر قرار بشارة تفضيل العيش في المنفى على مواجهة اللاعدالة الإسرائيلية. فرص النائب المستقيل الحصول على محاكمة عادلة شبه معدومة. محاكمته ستكون سياسية. ذلك أن تهمة التعاون مع العدو التي وجهتها له إسرائيل ستجعله ضحية رأي عام إسرائيلي معبأ أصلاً ضد العرب ورافض لوجودهم في الدولة الإسرائيلية.
ستدين المحكمة بشارة. وسيتعاطف الرأي العام الإسرائيلي مع قرار الإدانة. وسيجد متطرفون صهاينة في محاكمته فرصة لبث سمومهم العنصرية وتفريغ حقدهم ضد العرب الذين فرض عليهم الواقع حمل الجنسية الإسرائيلية.
لا شك أن بشارة يعرف كل ذلك. ومن المنطق الاستنتاج أن اختياره العيش في المنفى انطلق من اقتناع بأن ثمة قراراً اسرائيلياً مسبقاً بإدانته وسجنه. ومن منظور إنساني، يستحق بشارة التعاطف مع قراره.
لكن بشارة ليس إنساناً عادياً. هو سياسي يمثل إحدى قيادات المواطنين العرب في إسرائيل. حياته صارت، بطريقة او بأخرى، ملكا للشعب الذي اختاره ممثلاً له. وبعد سنوات من العمل العام، بات بشارة عارفاً ببواطن الأمور في إسرائيل وأكثر دراية بكيفية الدفاع عن حقوق العرب في مواجهة نظام إسرائيلي عنصري.
ولأن بشارة يعرف أن إسرائيل لن تتوقف عند حد في سعيها تهجير الفلسطينيين من وطنهم، كان عليه، وهو المناضل الوطني، أن يواجه الظلم الاسرائيلي في وطنه، حتى لو عنى ذلك السجن. البقاء في المنفى يحقق لإسرائيل هدفها. ولو قرر كل مناضل فلسطيني يواجه عقوبة السجن في إسرائيل هجرة وطنه لفرغت فلسطين من أهلها الشرعيين.
السجون الإسرائيلية مليئة بالمناضلين الفلسطينيين. فالدولة الصهيونية قامت على الظلم والإرهاب وخرق حقوق الإنسان. والفلسطينيون صمدوا في وجه آلة الدمار الاسرائيلية. كل فلسطيني بقي في أرض آبائه وأجداده بات شوكة في حلق إسرائيل. عزمي بشارة كان حين عاش في وطنه شوكة تقلق إسرائيل من داخل المؤسسات الرسمية الإسرائيلية. قراره الخروج من وطنه وعدم مواجهة المحكمة خلّص إسرائيل من هذه الشوكة، بعد أن قوي عودها بدعم الصوت العربي.
كان على بشارة أن يواجه التهم الموجهة له. وكانت محاكمته ستقدم دليلاً آخر للعالم على جور إسرائيل وظلمها. كان بإمكان بشارة أن يحول محاكمته محاكمة للكيان الصهيوني برمته. بيد أنه اختار ألا يفعل ذلك.
لا شك أن بشارة سيستمر يناضل عبر الفضائيات والمحاضرات. لكن لا شح في الأصوات التي تحارب إسرائيل عبر هذه الوسائل. موقع بشارة في وطنه. فهناك الحاجة الحقيقية لكل صوت وجسد يتصدى للبطش الاسرائيلي.