محاولة للنهوض من بين سقوطين
د.خليل ابوسليم
05-06-2009 03:22 PM
حاول البعض من صغار النفوس استغلال مقالي المنشور في "عمون" بتاريخ 19/5/2009 والموجه إلى رئيس الوزراء بعنوان- دولة الرئيس... هل أنا أردني؟- محاولين إخراجه من سياقه بعد تفريغه من مضمونه، وقد لاقى المقال صدى واسعا من خلال الكم الهائل من الردود والتعليقات التي قُدر لها النشر على الموقع ذاته، وبعضها وردني على الايميل الخاص ويتعذر نشره أو البوح به، وكذلك تبني بعض الجهات لتلك المقالة من باب أن من أبنائكم عدو لكم، وهذا يؤشر بوضوح إلى أن المقال قد لامس هما للبعض ممن وجدوا فيه ضالتهم – من باب الحك على الجرب- والبعض الآخر رأى فيه ضربا على وتر حساس لا يمكن أو لا يجوز العزف عليه.
ورغم أن المقال واضح وضوح الشمس في كبد السماء، ولا يحتمل اللبس أو التأويل، ولكن يبدو أن البعض ممن أصابهم قصور في النظر وشلل في التفكير لا يستطيعون معه إدراك ما بين السطور ، قد رأوا في المقال دعوة لتوطين الفلسطينيين في الأردن، وهذا بخلاف ما ذهب إليه الكاتب تماما، في مقابل ذلك تجد مجموعة لا بأس بها من المعلقين والقراء المهتمين تجاوزت حدود نظرتهم إلى أبعد مما ظنه بعض ممن يسمون أنفسهم بمنظرين في الهم والشأن الوطنيين الأردني والفلسطيني، وحتى لا يظن البعض أو يذهب تفكيره شططا إلى أبعد مما أريد، وتوضيحا لمن قصر فهمه وإدراكه عن مضمون المقال آنف الذكر الأمر الذي استوجب معه التصريح وبجرأة يفتقد إليها الكثير من بعض الساسة في عالم السياسة.
لقد جاء الانتباه الحكومي للمقال متأخرا جدا، وكما تعودنا من الحكومات المتعاقبة التي بالكاد تصحوا من سباتها إلا بعد أن ينفذ الآخرون أحلامهم، ولأنه من مواطن – بنظرهم- درجة ثالثة، وكاتب مغمور غير مغطى بالمظلة التي تنعم بها طبقة الصفوة المصطنعة أو من يسمون أنفسهم كريما الشعب، وبسبب حدة التعليقات ولحاجة في نفس يعقوب جاءت الاستجابة الحكومية ممثلة بمعالي وزير الداخلية للنظر في الموضوع، من خلال دعوته لي في مكتبه والذي استقبلني بكل حفاوة وترحاب طالما اعتادها الأردنيون من أبناء البادية الأردنية التي أنجبت القادة العظام لهذا البلد العظيم، حيث أبدى كل تفهم لمشكلتي التي ظن البعض أنها شكوى بسبب سحب للجنسية- وهذا خطأ فادح- لم يحصل، حيث أوضح معالي الوزير وغيره من المسئولين بضرورة تطبيق تعليمات فك الارتباط والحصول على الهوية الفلسطينية من اجل المحافظة عليها تثبيتا للأهل في الأرض المحتلة لضمان حق العودة في مقابل عمليات التهجير القسري التي تمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني بحق الأشقاء الفلسطينيين، وان هذا التطبيق لا يلغي الجنسية الأردنية عن حاملها، وهذا لا نختلف عليه-فك الارتباط- مع الحكومة وان كان هناك خلل في عملية التطبيق المتأخرة جدا والتي لا بد من معالجتها بعد أن أصبحت حقيقة على ارض الواقع.
وان مكمن اعتراضي واضح، حيث أنني أردني – من أصول شرقية- وبالتالي فإن تبعية أبنائي وزوجتي تكون لي ولبلدهم الأصلي، وكان الأولى أن يتم تطبيق تعليمات فك الارتباط على جميع الإخوة المهاجرون من وطنهم بلا استثناء، حفظا لحقوقهم التي تنازل عنها البعض منهم وبإرادته مثلما أصر على التنازل عنها قادة المنظمات التي ما كانت ثورية على الأعداء بقدر ما كانت على الأشقاء ، أما نحن الأنصار فكان من أقدارنا - قيادة وشعبا - أن نتحمل كل المصائب التي حلت وستحل – لا قدر الله – بالأمة العربية من محيطها إلى خليجها، حيث أننا الدولة الأقوى والأقدر والأجدر بذلك، ليس لذنب اقترفناه بقدر ما هو اعتراف من الآخرين بأهليتنا لحمل لواء الولاية والوصاية على الأمتين العربية والإسلامية، وبقدرتنا على افتداء الآخرين وإن تنكروا لنا لاحقا.
لقد قدم الأردن وأبناؤه الأوفياء التضحيات الجسام في سبيل دعم صمود الإخوة الأشقاء في جميع أقطار الوطن العربي عامة وفلسطين بخاصة، ووفر ملاذات آمنه لمعظم المشردين والمعذبين منهم في وقت تخلت فيه معظم الدول العربية عن ابسط واجباتها تجاههم، لا بل ومنحهم من الحقوق والامتيازات ما بخل به على أبنائه الذين كانوا نعم الأنصار وهذا ما لم تفعله أي دولة عربية وُلد على أرضها جيلين أو ثلاثة منهم، حيث بذلنا أرواحنا رخيصة في سبيل عزهم وكرامتهم وتقاسمنا لقمة العيش معهم لنجد أنفسنا في نهاية المطاف وكرامتنا قد هدرت على أبواب البعض منهم وبطوننا خاوية حتى من عصارتها.
ومن باب المسؤولية والواجب تفرغ الأردن قيادة وشعبا للدفاع عن قضية العرب الأولى، في وقت وجد فيه بعض الفلسطينيون ضالتهم في التفرغ للسطو على مقدرات البلد ولجمع المال وتكديسه لتنوء عن حمله خزائن الأرض، ولم يكلفوا أنفسهم عناء تقديم المساعدة لأشقائهم في المخيمات أو لأشقائهم الأردنيون مع أن أطفر واحد منهم يستطيع أن يجهز جيشا أوله في عمان وآخره على أبواب واشنطن، وها هي أحياء عمان وقصورها خير شاهد على ذلك، من الصويفية التي جزوا صوفنا بها ودير غبار التي نثروا غبارها في وجوهنا وعبدون التي عبدت على أجساد أبناؤنا، وتمكن البعض منهم من قلب مقولة الراحل العظيم- الحسين بن طلال- حينما قال" أما فلسطينيو الأردن فهم أردنيون لهم كافة الحقوق وعليهم كافة الالتزامات" ، حيث أصبح كل مالنا للبعض منهم وكل ما عليهم علينا، مستدركين أن أي ثورة إنما يقوم بها الشجعان ويستشهد فيها الأبطال ويستفيد منها الجبناء، وتسلط البعض منهم علينا وبمساعدة من الحكومات المتعاقبة، فأصبح يقسم الوطن على أهوائه يبيعه يمينا ويسارا ليغنى كل مرتزق، يحلبون الأردن باليمين ويجلدونه باليسار، يخالفون بالليل ويوافقون بالنهار، لا تتحرك ضمائرهم المستترة إلا بما يخدم مصالحهم الخاصة، يدعون الحرص على الوطن وهم أول واكبر المتآمرين على أبنائه وأقواتهم، بينما أبناء البلد جياع يسالون الناس ألحافا، ومما زاد بؤسنا بؤسا أن خرج علينا من بين ظهرانينا من يرفع السوط عاليا ليهوي به على رقابنا بعد أن تم تسخيرهم لإقصائنا من دائرة الوجود مستشعرين خطر الجياع، محاولين النيل منا كلما سنحت لهم فرصة لذلك.
والمتمعن في مقدرات الأردن وشعبه واقتصاده يشاهد ذلك حقيقة على ارض الواقع، ليبقي الأردن وأبناؤه يعانون من ضنك العيش وسوء المنقلب بسبب الأوضاع والظروف القاسية التي عانينا منها جميعا، لنصحو متأخرين وأبناؤنا اقل تعليما وتثقيفا واقل حظا، يؤدون خدمة العلم لافتداء الأرض التي يفاوضون للتنازل عنها وأبناؤهم يتهربون منها، حتى وصلنا إلى درجة الجوع والعوز في وقت يلهوا فيه أبناؤهم في ملاهي الغرب، وإمعانا في إذلالنا وإذلال إخوانهم فقد أصبحوا يجاهرون بأفعالهم المشينة من خلال تقديمهم الدعم للعدو ليبني جدارا للعزل بعد أن عزلوا شعبهم وانعزلوا عن أنفسهم وقضيتهم، وآخرون منهم يحجون إلى البيت الأبيض لتقديم حلقة أخرى من مسلسل التنازلات في سجل هزائمهم بالتخلي عن حق العودة باعتبار الأردن وطنا بديلا لهم.
لقد تعرضنا للظلم بما فيه الكفاية، مثلما تعرض الفلسطينيون أنفسهم وعلى أيدي أبناء جلدتهم، وما زلنا نحن وهم نعاني من صعاليك مرتزقة يختبئون في ملاهي وفنادق العواصم العربية والغربية، بعدما قاتل أشراف العرب مثلما قاتل آباؤنا وأجدادنا دفاعا عن الأرض والعرض وخاضوا معارك الشرف والبطولة وسقطوا شهداء على أسوار القدس وفي اللطرون وفي جميع بقاع الأرض المحتلة، بينما سقطوا هم سكارى بين أحضان الراقصات والغانيات ولينتهي المطاف بأهل فلسطين الكرماء مهاجرين إلى ارض الأنصار، وبسبب التآمر العربي الذي أجبر الأردن قيادة وشعبا على الانصياع قسرا إلى قرارات مؤتمر قمة الرباط 1974 ليتم اختزال القضية لتصبح فلسطينية بحتة – السقوط الأول- بدلا من عربية كبرى من خلال الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطيني التي أخذت على عاتقها تحرير الأرض من النهر إلى البحر، وما هي إلا كلمة حق أريد بها باطل بعد أن أمعنت في التشريد والإذلال للفلسطينيين في الداخل وإثارة الفتنة و الطائفية في الخارج- السقوط الثاني- من اجل المحافظة على مكاسب خاصة يتم انتزاعها من الشعبين الأردني والفلسطيني على السواء والذين أصبحوا هم العدو الأوحد بدلا من الغاصب المحتل، وانقلبت لاءاتهم الثلاث إلى بصم بالعشرة، لينصاع الأردن مرة ثانية لرغبة المنظمة الفلسطينية والعمل على فك الارتباط مع الضفة الغربية في العام 1988 ذلك القرار الذي اعترض عليه البعض ليس حبا في الأردن بقدر ما هو انحيازا لمصالحهم التي قد تتضرر من ذلك.
حينما نكتب فإننا نفعل ذلك من اجل الأردن أولا، ولأن ظلما لحق بنا- نحن الأردنيين- في مملكة أبو الأردنيين جميعا ورافع شأنهم جلالة القائد المفدى عبدا لله الثاني بن الحسين وارث رسالة الثورة العربية الكبرى الذي ما ارتضى لشعبه إلا كل عز وفخار مهما كلفه ذلك من تضحيات، وعندما نكتب فإننا لا نفعل ذلك حبا في شهرة أو طمعا في مال بقدر ما هو محاولة لاستعادة حقوق بات منزوعا الجزء الأكبر منها للعديد من أبناء الأردن الأوفياء، بينما بقي الجزء الآخر في طريقه إلى الانتزاع وبانتظار أن يعطف عليه أو يرأف به مسئول يكون قد اطلع على وضعه أو تناهت أخباره على مسامعه عن طريق بعض الحجاب الأمناء والذين أصبحنا نفتقدهم كثيرا.
ومن هنا فإننا لم ولن نسمح لأي كان في أن يزاود على أردنيتنا وانتماؤنا لبلدنا الغالي ومليكنا المفدى، ولن نقبل التنازل عن هويتنا الأردنية أو أن نزاوج عليها أي جنسية أو هوية أخرى مهما كانت الأسباب والدوافع والحجج، ولن نسمح لأحد أن يخرجنا من ثالوثنا المقدس – الله، الوطن، الملك- وسيبقى كل اردني على أهبة الاستعداد للدفاع عن أردن العرب، بالقلم والسلاح- الذي لم يسقط عن الأكتاف- إذا اقتضى الأمر.
kalilabosaleem@yahoo.com