هل الشريف حسين واتاتورك مسؤولان عن سقوط الخلافة العثمانية؟
د. عادل يعقوب الشمايله
09-09-2018 10:26 AM
يتعرض المواطن العربي الى هجمات إرهابية فكرية متعددة الاشكال وحملات تجريم وجلد للذات يصوغها شياطينٌ في غُرفٍ مُظلمةٍ وينفذها ويتناقلها افرادٌ جهلةٌ متزمتون مغلقي التفكير.
من بين هذه الهجماتِ الماكرةِ، البكاءُ والعويلُ على أثافي سَلطنةِ بني عثمان التي يُسمونها زورا وبهتانا بالخلافة الاسلامية وهي تَسميةٌ، تم إختيارها بحذاقةٍ لتُضفي الثوب الديني على حُكم سياسي بشري مُطلقْ، شرسٍ ومُتخلفٍ وعُنصري ومُتعال. التوصيفُ، لا يُنمُ إطلاقا عن كُرهٍ للشعب التركي، ولا حتى لرئيس تركيا الحالي أردوغان، حيثٌ أنني لا أحمل مِقدار ذرةٍ من الكرهِ لأي شعب أو دين أو مذهب أو ثقافة. فالكرهُ لا مكانَ لهُ في قاموسِ السياسة، وإن كان متداولا بين المتطفلين عليها. لكنني أقرُ وأعترفُ بِمحض إرادتي، أنني أختلفُ على السياسات ومع السياسيين في ضوء تقييم سياساتهم وأعمالهم وقراراتهم. كما وانه، لما كان ليس بإمكاني إعتناقُ كافة العقائد والمذاهب، بلْ واحدةً منها، فانني بالنتيجة أختلف مع بقيتها، دون أن أُعاديها أو أعادي معتنقيها، ولا أنتقد من سلوكياتهم الا ما يلحق الضرر بالاخرين، أو يُقعد أتباعها عن القيام بدور فعال في بناء وتطوير وتحديث الحضارة الانسانية ورفع مستوى معيشة البشر. فالاختلافُ الثقافي الايجابي بين الشعوب هو القاعدة، وليس الصراع والكره. وهنا أُذكر بالاية القرآنية:" وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
كان الاهتمام الاساسي للسلاطين العثمانيين خلال المائتي سنة الاولى من نشأة دولتهم، هو التوسع في جنوب وشرق اوروبا باعتبارها الامتداد الافقي للاناضول، وهما المنطقتان اللتان كانتا مركز الامبراطوريات المندثرة وخاصة الامبراطورية الرومانية الشرقية (الامبرطورية البيزنطية) وامبراطورية السلاجقه. وقد تم الحاق الولايات العربية التي نشأت من أشلاء الخلافة العباسية في وقت متأخر، في اواسط القرن السادس عشر. وكان الهدف الرئيسي والاهم من إحتلالها وخاصة منطقة الحجاز هو حيازة الارث الاسلامي المقدس الذي يتوارثه الخلفاء عادة، والحصولُ على الشرعية الدينية للبس عباءة الخلافة الاسلامية. وقد أضفى هذا الاحتلال على السلطنة بعدا عالميا وعمقا إستراتيجيا ومخزنا بشريا إضافيا، وكوارة طحينٍ عِملاقة. وما أن إنتصف القرن التاسع عشرحتى بدأت ملامحُ الارهاق تبدو على السلطنة العثمانية، فتحول همها من التوسع الى مجرد الحفاظ على ما استولت عليه في شرق وجنوب اوروبا إضافة الى اسطنبول. في تلك الاثناء كان غرب اوروبا ينهض بقوة ونشاط بعد نجاح الثورة الصناعية وحاجتها الى موارد واسواق. فكان أن تعرضت السلطنة الهامدةُ حضاريا والمثقلةُ بالديون، للقضم من جهة الغرب. فَسَلبتْ فرنسا منها شمال افريقيا العربي، وسلب الانجليز مصر والسودان وكامل سواحل الجزيرة العربية من الجنوب والشرق لحماية طريق الوصول الى درة التاج البريطاني وهي الهند، التي كانت ايضا جزءا من الامبراطورية الاسلامية المتحللة.
ولم يبق مع حلول الربع الاخير من القرن التاسع عشر من الوطن العربي تحت عباءة الحكم العثماني سوى العراق وبلاد الشام والحجاز. كان ذلك قبل الحرب العالمية الاولى بعدة عقود وبالتالي، قبل ولادة كل من مصطفى اتاتورك والشريف حسين بن علي.
لم يكن احرار العرب وعلى الاخص الشريف حسين أول من إستعان بالاجنبي ومن بينهم الانجليز. ولم يكن الشريف حسين اول من يتعرض للخديعة من الانجليز وغيرهم من الدول الاستعمارية. فلقد سبقه أمير المؤمنين الخليفة العثماني الذي قبل، وطلب النجدة من روسيا وبريطانيا لحماية كرسيه من محمد علي والي مصر الذي كان على وشك إحتلال اسطنبول عاصمة الخلافه بعد ان قام بالقضاء على حركات التمرد في اليونان والحجاز بتكليف من السلطان، مما أغراه بضم سوريا والحجاز الى مصر. لقد كانت الدول الاوروبية هي من حافظ على تماسك وبقاء سلطنة بني عثمان حتى العقد السادس من القرن التاسع عشر. فلقد أَجبرت كُلٌ من روسيا وبريطانيا وفرنسا محمد علي باشا، على العودة بخفي حنين الى مصر تاركا سوريا والحجاز، وأن يخفض تعداد جيشه واسطوله الكبيرين حتى لا يشكل مجددا تهديدا للسلطنة، وان يمتنع عن إعلان استقلال مصر عنها. المشهد نفسه حدث إبان ثورة احمد عرابي، اذ تخلى السلطان العثماني عن مصر وانحاز للانجليز مما أدى الى وأد الثورة واستغلال الانجليز للموقف لاستعمار مصر حتى منتصف القرن العشرين. لم يجد السلطان في ذلك مُشكلة طالما أن الانجليز يسمحون للائمة بالدعاء له في صلاة الجمعة، ومسموح للأعلام العثمانية أن ترفرف على الدوائر الرسمية. وعلينا ان لا ننسى سماح الخلافة الاسلامية العثمانية للروس والفرنسيين بتولي مسؤولية حماية المسيحيين العرب وكان ذلك تنازلا مذلا عن سيادتها.
في عام 1878 ومع انتهاء الحرب التركية الروسية، وصلت الجيوش الروسية الى اسوار اسطنبول. كان ذلك إيذانا بان الامبراطورية العثمانية هي في مرحلة السقوط وأن لا سبيل لاستمرارها كجزء من منظومة التوازنات والتحالفات الاوروبية، ولذلك بدأت مراحل تقاسمها. حيث استقلت رومانيا وبلغاريا وبولندا واليونان وبقية منطقة البلقان والقوقاز عن الامبراطورية بدعم من روسيا القيصرية، في حين احتلت فرنسا تونس، واحتلت بريطانيا قبرص مقابل ايقاف التقدم الروسي والحيلولة دون احتلالها لاسطنبول. وبذلك لم يبق للامبراطورية العثمانية خارج حدود تركيا سوى العراق وبلاد الشام والحجاز.
نتوصل مما تقدم الى النتيجة الهامة، بإن إلقاء اللومِ جُزافا على كلٍ مِنْ، كمال اتاتورك والشريف حسين، وتحميلهما مسؤولية هزيمة جيوش الخلافة ومن ثم سقوطها في إعقاب الحرب الكونية الاولى هو محض افتراء وتجني ومكابرة عند البعض وجهلٍ عند أخرين، وتصفية حسابات عند البقية. إن المُسببَ في ثورة من تبقى من العرب على السلطة العثمانية، هو سُوء إدارة سلاطين تركيا للمناطق العربية على مدى خمسة قرون. ولم تكن أفعال جمعية الاتحاد والترقي، مع عدم إغفال المبالغة في الروايات، الا مُجردَ حلقة في سلسلة طويلة من إمتهان العرب وتجهيلهم وتغييبهم في غيابات الجُبِ وبيعهم للاوروبيين، في صفقات الحفاظ على تركيا نفسها أو مناطق توسعها العزيزة عليها في شرق اوروبا حيث بحور العيون الزرق وانهار الشعر الاشقر.
أما كمال اتاتورك، فهو من أنقذ تركيا من الزوال عندما اتفقت الدول المنتصرة على تقسيمها، بل تفتيتها باعتبارها غنيمة من غنائم الحرب بعد أن خسرت الحرب العالمية الاولى التي شاركت فيها، بقرار السلطان، وليس قرار اتاتورك الذي كان مجرد ضابط في الجيش. لقد تمكن اتاتوك من لملمة بقايا الجيش التركي وخاض به حرب الاستقلال ضد القوات الغازية والحق بهم خسائر بشرية فادحة ودحرهم ليحافظ بذلك على وحدة تركيا. وعلى اثر هذه المعركة شاركت تركيا بقيادة أتاتورك في معاهدة لوزان التي انهت الحرب، وتمكن من استبعاد الشروط المؤلمة كتلك التي وقعت عليها دول خسرت الحرب كالمانيا واليابان. لهذا، حُقَ له أن يُعتبرَ بطل تركيا الحديثة، وَحُقَ لغالبية الشعب التركي إحترامُ إنجازات الرجل العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية. وفي الوقت نفسه، فإن ليس من حق غير الاتراك، أن يحكموا على الرجل فيبيضوه أو يسودوه.
إنني أتوجه بالسؤال التالي لمن يدافعون عن العثمانيين، وينفون أو ييررون ظلمهم للعرب، بل والحاقهم هزيمة حضارية بالعرب لا زالت أثارها تفعل فعلها وستستمر لقرن قادم على الاقل إن بقي العرب، ومن ثم يستنكرون ثورة العرب عليهم محتجين بان السلطان العثماني رفض الموافقة على اعطاء فلسطين لليهود.
اذا كان سلاطين بني عثمان حَريصونَ على البلاد العربية، لماذا تركوا الفرنسيين يحتلون المغرب والجزائر وتونس؟ ولماذا تركوا مصر والسودان والعراق وليبيا وسواحل الجزيرة العربية نهبا للمستعمرين الاوروبيين؟ اليس من حق الشعب العربي في جنوب اليمن وحضرموت وعمان والامارات والكويت ان يكرهوا السلطنة العثمانية لتخليها عنهم؟ اليس من حق مسلمي الهند وافغانستان وماليزيا واندونيسيا ان يمقتوا الخلافة العثمانية التي كانت تتفرج عليهم عندما التهمتهم البرتغال وهولندا وانجلترا؟ ما هي حجة خلفاء الدولة العثمانية امام الله عندما يسألهم، لماذا تركوا الفلبين تُحتَلُ ويُمحى الدينُ الاسلامي مِنها؟ لماذا تعتقدون أن فلسطين تتمتع باهمية وقدسية عند هؤلاء السلاطين أكثر من بقية الدول العربية والاسلامية الاخرى التي تخلوا عنها كما بَينتُ؟ وطالما أن الامبراطورية لم تحرك ساكنا لاسترداد العديد من الاقطار العربية، فلماذا علينا ان نقبل بالمبالغات التي تُعظمُ من شأنِ وأثرِ رَفضِ السلطان عبدالحميد لمطالب اليهود في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين؟
في البدء، لماذا وضع السلاطينُ الخلافة تحت رحمة الدائنين الاوروبيين رغم غزارة ايرادات الدولة من الضرائب والغنائم؟ اليس من أجل أن يشيدوا قصورا لهم تنافس قُصور مُلوك الانجليز والفرنسيين؟ وهذا ما فعله اردوغان ايضا!! في المقابل كانت انجازات الخلافة العثمانية على الارض لا تتجاوز "سالب خمسين". هل أُنفق منها شيئا على انشاء المدراس والمستشفيات والطرق والجامعات؟ من ناحية اخرى، ألم يكنِ اليهودُ يسرحون ويمرحون في كافة ارجاء الامبراطورية، بل ويتولون فيها أدوارا إدارية مهمة؟ السؤال الثاني، اذا كان سلاطين بني عثمان لا يثقون باليهود كما يزعُمُ عُبادُ كَلمةِ "خليفة" التي لا أصل ديني لها، فكيف سمحوا لمن، يُزعمُ أنهم من أصل يهودي، ككمال أتاتوك على ذمتهم، أن يدخلوا الجيش العثماني ويصلوا فيه الى رتب عسكرية عالية مُحرمةٍ على الضباط العرب منذ أن احتل العثمانيون الاراضي العربية؟
السؤال الثالث، ألم تتسبب قرارات السلطان عبدالحميد بتأميم 80 % من أراضي فلسطين (أي إعتبارها أراضٍ أميرية) بحجة منع اليهود من شرائها، من اخراج معظم اراضي فلسطين من أيادي اهلها ونزع حمايتهم عنها؟ ما الذي جعل السلطان يستهين بوطنية وولاء الفلسطينين لأرضهم وحرصهم عليها؟ لقد كانت نتيجة هذا القرار، أنه، عندما هُزِمَ الجيش العثماني وخرج من فلسطين، أن غنمت بريطانيا كافة الاراضي التي كانت أميرية ومُسجلة باسم الامبراطورية العثمانية، وعندما خرجت بريطانيا وقامت دولة اسرائيل، أصبحت نسبة ال 80% من اراضي فلسطين غنيمة للدولة اليهودية لانها غير مملوكة لاحد وبذلك تتداولها الدول المنتصرة في حال امتلاكها للشرعية الدولية. واذا أضفنا الى ذلك أن حوالي 5 % من بقية اراضي فلسطين كانت مملوكة لاقطاعيين غير فلسطينين بتمكين من السلاطين، وقيام اولئك الملاك ببيع أراضيهم لليهود، فإن النتيجة، أن ما يقارب من 85% من اراضي فلسطين أصبحت بيد اليهود ودولتهم بدون منازع قانوني. الا يصنف هذا القرار الذي اتخذه الخليفة العثماني عبدالحميد الثاني قدس سره، انه عمل إجرامي وتأمري؟ أليس هو من مكن اليهود من فلسطين بوعي أو غير وعي؟
ثم، هل كان على باقي عرب المشرق أن يظلوا ينتظرون مصيرهم البائس كخروف العيد الى أن يتم إحتلالهم من الدول الاستعمارية؟ أم أن من حقهم، بل من واجبهم، أن يسعوا لتقرير مصيرهم بدلا من أن يُقررَ لهم في صفقات بيع وتنازل جديدة من قبل الخليفة ؟
من هو العاقلُ الذي يعتقد، أن لو لم يتحالف العرب مع بريطانيا ضد السلطنة العثمانية المتهاوية، فإن نتائج الحرب ستختلف؟ هل كان للسلطنة التي اصبح يطلق عليها (رجل اوروبا المريض) فُرصةٌ في كسب الحرب؟ هل كان عربُ المشرق الذين لم يكن عددهم يصل الى خمسة ملايين من الفلاحين ومربي الاغنام والبعارين وهم على ما كانوا عليه من تخلفٍ وأميةٍ وجهل وضياع وفقر وامراض وغياب البنية التحتية الحديثة الكامل بسبب اهمال السلطنة، ان يُغيروا مجرى الحرب وينصروا تركيا؟
سبق وان بينت أن الشريف حسين لم يكن أول من تحالف مع الاجانب، بل إنه اقتدى بالخليفة نفسه. فإذا كان التحالف مع الاجانب دائما جريمة وخيانة، فلماذا تحالف معهم الخليفة مرارا؟ ألم يتحالف الخليفة مع قيصر روسيا ضد ايران ويتقاسماها؟ اليست ايران ارضا اسلامية وشعبها شعب مسلم "على الاقل في ذلك الوقت" قبل الخميني ونصر الله؟ ألم يتحالف قادة الثورة الامريكية مع فرنسا ضد بريطانيا مع ان بريطانيا أقرب إليهم من فرنسا عرقا ومذهبا دينيا؟ ألم يتحالف الانجليز والفرنسيون مع امريكا ضد المانيا وروسيا مع أنهما دولتان اوروبيتان؟ الم يتحالف الرسول عليه الصلاة والسلام مع اليهود في المدينة ضد قبيلته قريش؟ الم يتحالف الغرب المسيحي الرأسمالي مع الاتحاد السوفيتي الشيوعي ضد المانيا المسيحية؟ ألم تتحالف قيادات مُعارضةٌ مِن الاتراك العثمانيون مع الامبراطور البيزنطي ضد ابن عمهم السلطان محمد الفاتح أثناءَ كانت جُيوشهُ تُحاصر القسطنطينية ؟ ألم يُشارك المسيحيون في جيش محمد الفاتح الى درجة أن كانوا طلائع جيشه الذي دك، وفتح اسوار القسطنطينية؟ الم يرفض حكام غرب اوروبا طلب النجدة والاستغاثة الذي وجهه لهم امبراطور القسطنطينية، وتركوا المدينة تسقط بيد الاتراك المسلمين وتسقط بالتالي الامبراطورية البيزنطينية المسيحية للابد؟ هل اصبحت الخلافة العثمانية الاسلامية ،رَجُلَ الشرق الاوسط المريض أو رَجُلَ العرب المريض، أم رَجُلَ اوروبا المريض؟ لقد كانت رَجُلَ اوروبا المريض لانها كانت تُعتبرُ دولة اوروبية، وحصلت على لقب المرض قبل ولادة اتاتورك والشريف حسين.
بناءاً على ما تقدم، من هو الطرف الذي له الحق في إتهام الطرف الاخر بالخيانة، العرب أم السلطنة العثمانية المُلقبة بالخلافة الاسلامية؟
أليسَ من الانصاف والعدالة أن يُذكر الشريفُ حسين بنفس الاطراء والتقديس الذي يُسبغُ على السلطان عبدالحميد؟ اليس من الثابت والموثق، رفضُ الشريف حسين للضغوط البريطانية بقبول وعد بلفور القاضي باعطاء جزء من فلسطين لليهود لاقامة وطن قومي عليها؟ ألم يُنفى الى قبرص ليعانى في منفاه ما عاناه الى أن مات. أما أُسطورة رفض عبدالحميد للطلب ذاته الذي تقدم به اليهود إليه فانه يستحق التقدير لكنه أهدره بتحويل أراضي فلسطين الى اراضي دولة كما نوهنا سابقا. وفي نفس الوقت علينا أن لا ننسى التاريخ الذي نوهنا لبعض ملامحه الذي يُثبتُ أن سلاطين العثمانيين تنازلوا بسهولة عن الاراضي العربية. واكاد أجزم أن لو عرض اليهودعلى السلطان إنشاء وطن قومي في فلسطين مع التزامهم بالتبعية الاسمية له وان يُدعى له في الصلاة لوافق كما هو الحال في كافة الاقطار العربية التي ظلت تابعة له بالاسم بينما كانت مُحتلة من الدول الاوروبية وهي الحال التي كانت سائدة في أواخر الخلافة العباسية حيث تقسمت الخلافة الى عدة سلطنات وامارات ولكن حكامها ظلوا يُنادون باسم السلطان في المناسبات العامة وفي الصلاة. وما عدا ذلك فليس للسلطان ولا لدولته وجود في أي منها. فان كان ما يُنسب للسلطان عبدالحميد حقيقة، فان موقفه كان واجبه، وهذا ما يجب ان يفعله أي حاكم، برفض التنازل عن أي جزء من اراضي دولته، لانه لا يملك حق التنازل أصلا. وهو بهذا يكون قد تساوى في الوطنية والاخلاص مع الشريف حسين في احسن الاحوال. فما المبرر اذا لتقديس السلطان عبدالحميد والتغني بموقفه وفدائيته ويتم التنازل عن كافة المظالم العثمانية، في حين يُعامل الشريف حسين الذي كان فدائيا اكثر منه معاملة سلبية؟