منسف أردني فلسطيني في إسطنبول
د.مهند مبيضين
09-09-2018 12:10 AM
على وقع الأزمة المالية في تركيا وحين يتجول المرء في شوارع إسطنبول وينتقل بين مناطق المدينة التاريخية غربا وشرقاً، وأبرزها منطقة الفاتح نسبة إلى مسجد محمد الفاتح، حيث المعقل الانتخابي الأردوغاني، وفي شارع «وطن» الذي يضم أغلب المؤسسات السيادية، لا يرى المرء صوراً للرئيس التركي، بل أعلام الدولة المنتشرة في كل مكان.
في مناطق أخرى مثل شيشلي وتقسيم وغيرها، يتكرر المشهد بفوارق بسيطة، هناك صور عملاقة في بعض المناطق تحمل جزءا من خطابات الرئيس وشعاراته، لكن لا يوجد أغانٍ في الشوارع تمجد الرئيس القائد، ولا يوجد صور له على السيارات والباصات ولا تهافت على المخابز ولا على أبواب محلات الصرافة، لا بل تعافت العملة اواخر الاسبوع وسجلت 5.442 ليرات أمام الدولار و7.511 أمام اليورو. وارتفع حجم الودائع البنكية بنسبة بلغت 15.1 %، مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغت ترليوناً و969 مليارا و566 مليون ليرة تركية (299 مليارا و340 مليون دولار).
في الزمن الانتخابي قد نجد صوراً ويافطات تحشيد باسم المتنافسين، لكن في تركيا التي تمثلها إسطنبول كحالة، نجدها اليوم مشابهة لما كانت عليه قبل مئة عام، حيث كتب الملك عبدالله الأول مؤسس الأردن الحديث، في مذكرات انطباعات كبيرة هامة عن إسطنبول وعن وجود النخب العربية فيها في مفتتح القرن الماضي، إذ أشار في فترة عضويته كمبعوث في مجلس المبعوثين العثماني إلى وجود المغربي و المصري و التونسي و العراقي في إسطنبول ومنتدياتها و»كلهم يبغون مآرب شتى» وكان منهم المعارض لسياسات بلاده او المعارض للاستعمار أو الباحث عن منصب من السلطان أو الباحث عن عطاء من الصدر الأعظم، ومنهم من عمل بالأدب والصحافة آنذاك والشواهد كثيرة.
اليوم في إسطنبول تجد كل العرب المؤيدين للثورات وغير المؤيدين والمحايدين، وتجد السوري الذي حصل على جنسيته، وتجد أردنيين مستقرين جددا اشتروا شققهم هرباً من غلاء عمان.
ولا يبقى الانسان لاجئا، وقد يتطور إلى مواطن تركي له ولأسرته كل الحقوق على خلاف البلاد العربية، وبعد الجنسية سيكون عليه لأول مرة أن ينتخب بحق، فكل ما كان يجري في كثير من بلادنا العربية الشمولية النهج هو ديكور وكذب كما يرى الصديق عمر كوش الذي اصبح مواطنا تركياً.
لا يوجد قلق عند الاتراك، بل اهتمام بمستقبل بلدهم، وثمة دولة نظيفة، ومرافق وخدمات هائلة، هم يدركون مخاطر سياستهم، ولا يتفق الجميع على دور تركيا في الحروب والثورات والملفات الإقليمية، هناك من يرى ويُقر بالأخطاء السياسية الفادحة، والتعليم والبحث العلمي يتقدمان كهدف وطني، والانفتاح على العرب يتطور، وثمة عرب يرفضون اردوغان.
في تركيا مقيمون من قوميات عدة، وفيها صدق ولطف وسجايا طيبة. هي ليست فقاعة نمو، كما يقول البعض، بل بلد يُصّنع كل شيء من السلاح إلى السيارات إلى الملابس والأثاث الفاخر إلى الغذاء، أهذه فقاعة أم وعود التنمية عربية والانفاق على الرياضة والولائم. وكل هذا لم يمنع تركيا من الاقتراض فثمة قروض بأكثر من 450 مليارا لكن سجل الدولة مع البنك الدولي نظيف.
لا يوجد مستثمر عربي جاء وفتح جامعة وفسد، أو فتحها بقروض بنكية من مدخرات الناس، وهناك قنوات عربية لكل المعارضات، فالدولة قارة مكتملة الخيرات، لكن مصالحها هي التي تحركها فتجعل اردوغان يهدد روسيا بحرب، ثم يستدير ويصافح بوتين، وهناك مطاعم تقدم الوجبات العربية حتى المنسف الأردني الذي يشمله «منيو» مطعم خان زمان في منطقة الفاتح يكتب «منسف أردني فلسطيني»، حيث وجد الأتراك حلاً لجدل الهوية والأصل، له دون عناء بأصله هل هو خليلي أو كركي أم مشترك، فما يعنيهم أن تستمتع به فقط.
الدستور