يتباكى الناس على ما جرى لهم في بلدنا هذا، الذي لم نعد نعرف وجهه، من إنهيار في القيمّ التربوية التي هي أساس كل ما يتعلق بالحياة العامة والخاصة، وهو أساس إعتلاء الأمم للقمم وإنهيار الدول والحضارات، وآخر صرعات المجون الإجتماعي ما جرى في مدرسة قرية كبيرة وجامعة محافظة كبيرة أيضا، ولم ينتبه المتأففون الى ما تغير في
هذا المجتمع من أسفله حتى أعلى مبانيه من تردٍ بائن في القيادات العائلية والمنزلية والعشائرية والسياسية والرسمية كذلك، وسأعيد عليهم القصة القديمة:
في إحدى القرى القديمة كان هناك طفل يلهو بين منازل الطين والحجارة، فوصل الى قنّ دجاج الجيران حيث وجد الدجاجة وقد باضت، فأفزعها وسرق البيضة وعاد راكضا الى أمه دون إدراك منه، فضحكت أمه وسرّت لتلك الغنيمة، ثم قامت بقليها له وأكلها الطفل وتلذذ بها، ثم أعاد الطفل الجريمة الصغيرة مرارا بحق عشرات الأقنان، وفي كل مرة تدهش الأم لفهلوة طفلها الذي تحول الى صبي، حتى تطورت قدراته لسرقة الدجاج، وأمه تطبخ وهي تعلم أن إبنها لص وأن ما يأكله ليس سوى مدخرات الناس في »الخمّ»، حتى سرق يوما بقرة، فحكم عليه القاضي بقطع يده، فقال للقاضي: سيدي القاضي إقطع يد أمي، فهي من شجعتني منذ أول بيضة !
اليوم المطلوب هو إنشاء أكاديميات كبرى لتربية الآباء وإعادة تأهيلهم، فلا يمكن أن ننتظر جيلا مؤهلا تربويا وأخلاقيا وسلوكيا ثم سياسيا وننتظر منه أن يصبح قياديا ومحافظا على المرافق العامة والمال العام، ولديه غيرّة شديدة على الوطن وحماية المواطن ، فيما الآباء غير مؤهلين أصلا لتربية أبنائهم، فالجميع يريد أن يتزوج وينجب طوابير من الأبناء دون أن يكلفوا أنفسهم بإعداد الأبناء ليكونوا رجالا ونساء مخلصين وشرفاء في أخلاقهم وسلوكهم وأعمالهم ، ثم للأسف يضيع الصالح منهم في زحام الطالحين.
إنظروا الى جميع قطاعات الدولة، من حكومية وأهلية، مدارس وجامعات،أحزاب وجماعات، مؤسسات تجارية، قطاع طبي، نقابات، دواوين عائلات ومجالس عشائر، الى آخر عربات القطار المسافر بنا الى المجهول، الغالبية العظمى يتصارعون ليتسلقوا ظهور بعض، وأهم شيء بالنسبة لهم مصالح شخصية، لا يتورعون عن خطأ إذا كان يخدمهم، والسبب في ذلك أننا فقدنا القدوة الصالحة، وبها فقدنا مشروعنا الإصلاحي وتطبيقات القانون الصارم الذي يطبق على السيد قبل العبد، القدوة التي تخرج لتعلن حق الدولة الحقيقي في الضرائب على أمواله، لا التوسط لشطبها من السجلات
أو ترحيلها الى مناطق الأوف شور.
بعد إنهيار جدار برلين الذي فصل المانيا لأكثر من 28 عاما، تفاجأت إدارة مكتبة برلين برجل يدخل عليها ليعيد كتابا كان قد إستعاره قبل بناء الجدار وفصل المدينة، 28 عاما حافظ فيها الألماني أمانته، اليوم لا تستغربوا إذا سرقت أنا شخصيا خزينة البنك المركزي، فلم يعد أحد يهتم للتربية والأخلاق، المهم الفلوس، المناصب لا الوطن، المال لا حقوق الناس، أولادي لا أبناء فقراء القرى والحارات المظلمة، وحينها لا يلوم أحدٌ أحداً إن فجرّ طفل مدرسته، فهذا حصاد أيديكم أيها الكبار.
Royal430@hotmail.com
الرأي