نعترف جميعا أن حالة من القلق تسود بلدنا ، نتيجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن ، وحالة الغموض بشأن عدد من القضايا الإقليمية ، ومنها الوضع في الجوار ، وما يتم تسريبه من وقت لآخر عن " صفقة العصر " والكنفدرالية المبهمة ، وغير ذلك مما يحتاج الأردنيون إلى تفسيره وتوضيحه .
يوم الأربعاء الماضي التقى جلالة الملك عبدالله الثاني متقاعدين عسكريين ومحاربين قدامى ، وناشري مواقع إخبارية ، ورعى حفل جوائز الملك عبدالله للتميز ، ثلاث مناسبات تحمل في مضمونها معاني كثيرة ، حين ندرك القيمة الحقيقة لتلك الفئة من متقاعدي القوات المسلحة الجيش العربي ، والأجهزة الأمنية ، ومن مثلها في دول عديدة ، باعتبارها قوة رديفة للجيش ، فضلا عن الدور الايجابي الذي يمكن أن تقوم به في الحياة العامة ، وكذلك حين نفهم قوة التأثير التي تملكها المواقع الإخبارية ودورها في تشكيل رأي عام مساند لموقف الدولة في تعاملها من القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء ، وعندما ندرك من خلال حفل إعلان الفائزين بجوائز مركز الملك عبدالله الثاني للتميز الجهود المبذولة للنهوض بمؤسسات القطاع العام وفق معايير وقياسات معينة .
وسط أجواء ملبدة بالقلق ، يأتي حديث جلالة الملك في ذلك اليوم المفعم بالحيوية والنشاط ليبدد الكثير من ذلك القلق عن طريق رسائل واضحة وصارمة أظهرت اطمئنان جلالة الملك لحالة الأمن والاستقرار التي تحققت بجهود القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ، ووعي الأردنيين وتحملهم للأعباء الناجمة عن حالة الاقتصاد الوطني ، والأزمات التي يتعامل معها الأردن على حدوده الشمالية والشرقية ، إلى جانب الأخطار الناجمة عن غياب حل لقضية الشعب الفلسطيني .
من بين الرسائل التي وجهها جلالة الملك لشعبه ولجميع الأطراف ذات العلاقة إقليميا ودوليا ، رسالة كان عنوانها " مع من ؟ " أي مع من يفترض أن يقيم الأردن علاقة كنفدرالية ما دام هناك من يرفض إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 بعاصمتها القدس الشريف ، وعاد جلالته مرة أخرى إلى التمسك بحل الدولتين والتأكيد على أن الأردن لا يخشى شيئا في هذا الاتجاه لأنه يواجه تلك الطروحات بقوة وشجاعة ، ويعرف الفرق الشاسع بين حل القضية حلا سلميا وعادلا وبين تصفيتها !
من دون أدنى شك كان المجتمع الأردني بحاجة إلى توضيح من هذا النوع ، ومن جلالة الملك على وجه الخصوص ، لأنه العارف بمجريات الأمور ، والمطلع على تفاصيل الحالة في منطقة الشرق الأوسط ، والتوازنات والتقاطعات والمعادلات الإقليمية والدولية ، وهو مدرك كذلك لمآزق الآخرين ، مما يجعله على يقين بأن الأردن ليس في مأزق ، لا من حيث الواقع ، ولا بالنسبة والتناسب !
بقي على التيارات المختلفة في بلدنا أن تكون على الدرجة ذاتها من فهم المعادلات الداخلية والخارجية ، وأن تحول قلقها إلى حيوية ايجابية ، تعزز قوة الأردن وقدرته على التعامل مع كل الاحتمالات ، وتجعل من ثقته بنفسه منطلقا للتغلب على مشاكله .