الاستقواء على هيبة الادارات الجامعية ناقوس ينذر بالخطر
أ.د. عدنان المساعدة
08-09-2018 11:38 AM
ما جرى قبل أيام من اقتحام لمكتب رئيس جامعة البيت من قبل بعض الموظفين يدخل ضمن الاستقواء على هيبة الادارات الجامعية ومؤسسات الدولة تارة باسم الحرية المغلوطة في اذهان هؤلاء الذين تصرفوا بنزق وتهور باسم المطالبة بالحقوق وبمسميات أخرى تدور في أذهانهم ما أنزل الله بها من سلطان...ان هذا يعتبر تعديا وتجاوزا لكل الأنظمة والقوانين وهذه ظاهرة خطيرة تهدد الجسم الأكاديمي برمته ومن واجب الدولة أن تقف بحزم ضد هذه التصرفات أيا كان مصدرها لأنها لا ترتقي الى سلوك حضاري او تصرف حكيم، كما ان تداعيات هذه التصرفات الممجوجة سيكون لها ارتدادات سلبية على سمعة مؤسساتنا الاكاديمية، واعتقد ان الكثيرين من العاملين في جامعاتنا الاردنية استنكروا هذا الاسلوب المدمر لإرث جامعة آل البيت وبعض مؤسساتنا الاكاديمية التي تعرضت من قبل لمثل هذه التصرفات.
ان هذا يدخل ضمن العنف الأخطر وخصوصا أن يكون الاقتحام من قبل بعض الموظفين وبعض الأساتذة الذي يفترض أن يكونوا القدوة في السلوك....وأتساءل هنا كما يتساءل الكثيرون كم ترك هذا الانطباع واثر سلبيا في نفوس ابنائنا الطلبة في كافة جامعاتنا ومعاهدنا التعليمية تلك الصروح التي بنيت وشيدّت بعرق وجهد الأردنيين جميعا وهي إنجازات وطنية وليس من حق كائن من كان أن يسيء إلى هذه المنجزات وأن يستقوي عليها ويقذف الأنظمة والتعليمات بعرض الحائط تحت التهديد والوعيد.
ولست هنا بموقع الدفاع عن الزميل رئيس جامعة آل البيت الذي يحظى بسمعه أكاديمية طيبة ونكن له كل احترام، كما أنني لست على إطلاع بمدى شرعية مطالب هؤلاء الموظفين من عدم شرعيتها، فشخص رئيس الجامعة معين بإرادة ملكية سامية، وكذلك تعيين نائب الرئيس او العميد يتم وفق القوانين والانظمة المعمول بها في الجامعات، إضافة إلى أن رئيس الجامعة لا يمتلك عصى سحرية لتحقيق مطالب العاملين من داخل الجامعة وليس بمقدوره أن يقفز فوق الأنظمة والقوانين لتلبية مطالب بضغط مجتمعي من خارج الجامعة في ظل الظروف المادية التي تعاني منها معظم الجامعات الاردنية.
ولكن هذا الأسلوب والتصرف يعتبر جد خطير يا دولة الرئيس أن تنتهك حرمات هذه المؤسسات الأمر الذي يستدعي من كافة الجهات ذات العلاقة ومن مجلس التعليم العالي ومجالس الأمناء بشكل خاص إتخاذ كافة التدابير لعدم تكرار مثل هذه الحادثة، سيما أن هناك بعض العقليات في مؤسساتنا التعليمية ممن لا يلتزم بالتعليمات او الأنظمة ويستقوي على المؤسسة من أجل مطالب شخصية دون أن يكون هناك أي رادع الأمر الذي يستوجب تفعيل القوانين الناظمة وعدم الرضوخ للضغوط التي تمارس من هنا وهناك ورفض الاسترضاء والمجاملة على حساب هيبة المؤسسة التي هي من هيبة الدولة وخصوصا الجامعات التي لها أهداف سامية لتحقيق بناء الإنسان الملتزم والمتطور بعقله وفكره وسلوكه.
ان جامعاتنا يا دولة الرئيس كما وصفها جلالة سيدنا هي حاضنات وعي وفكر ولا نريد لها لا سمح الله ان تنزلق عن مسارها الصحيح كما لا نريد ان تصبح ساحات جامعاتنا "داحس والغبراء" تغزونا من جديد، وتهدد أمننا التربوي والتعليمي، وتهدد بسقوط ذريع ومريع لمنظومتنا التربوية والتعليمية والقيمية لا قدر الله. ويحضرني هنا قول ذلك الفيلسوف الذي رأى الفوضى تنهش في جسد وطنه فخرج من شباك شرفته مخاطبا الناس في جملة واحدة ومختصرة قائلا: "أيها الناس إذا سقط العالِم، سقط العالَم..
يا دولة الرئيس، إنني أطالب كأكاديمي، وغيري الكثيرون من العاملين في العمل الأكاديمي والجامعات وأنتم الحريصون والمسؤولون عن ذلك، أن تعيدوا لمؤسساتنا هيبتها بفرض واحترام سيادة القانون، لأن الحلول الجزئية وعمليات الترقيع لم تعد تجدي نفعا، فلا جاهات تفيد وتحل المشكلة من جذورها مع احترامي لجهودها الخيّرة في ظل غياب هيبة الدولة وسلطة القانون. نعم أعيدوا لمنظومتنا التعليمية والتربوية هيبتها ونضارتها، والحلول كثيرة ضمن استراتيجية عمل وبناء تراكمي مستمر بدءا من الروضة وانتهاء بالتعليم الجامعي وتحت إشراف مجلس كفء يضم خيرة الخيرة من أبناء هذا الوطن الذين يراقبون المشهد بألم ويخافون على مستقبل وطنهم لوضع حلول عملية بعيدا عن التنظير والتسويف، وبإشراف مباشر من دولتكم... مجلس حكمة يضم متخصصين في علم الاجتماع، التربية والتعليم، القانون، الأمن، السياسة، الاقتصاد، والدين من ذوي بيوت الخبرة الذين لم تلوثهم الحياة، وكانوا من القابضين على حب هذا الوطن قولا وعملا.
بقي أن نقول ان هذا العمل مدان بكل أشكاله وصوره لأنه لا يخدم مسيرة المنظومة التعليمية ويعود بها الى الوراء ويسيء الى منظومتنا القيمية والأعراف الأكاديمية مما يستدعي أن تتضافر كافة الجهات ومنها الجامعات على محاسبة كل الخارجين عن النظام والقانون حفاظا على هيبة المؤسسة والصفة الشخصية والاعتبارية لمكانة رئيس الجامعة الذي يعين بإرادة ملكية سامية وحفاظا على سمعة التعليم في هذه المؤسسات، وكذلك ان هذا التصرف المرفوض قلبا وقالبا لم يطل رئيس جامعة ال البيت وحده ولكنه طال كل مكونات الجسم الأكاديمي في جامعاتنا الارنية من طلبة وموظفين وأساتذة والحذر الحذر من تكرار مثل هذه السلوكيات غير المسؤولة التي قد تعبث في مقدرات هذه المؤسسات وإنجازاتها التراكمية مقابل مطالب شخصية لا تراع الظروف المالية التي تعاني منها معظم الجامعات.
ومعا يدا بيد لنترسمّ توجيهات جلالة سيدنا دائما من خلال الاوراق النقاشية التي ركزّت على سيادة القانون وترسيخ دولة المؤسسات والعمل بضمير مؤسسي مسؤول نحو جامعات خالية من العنف بكافة اشكاله سواء اكان عنفا طلابيا او عنفا يمارس من قبل بعض العاملين من الموظفين او الاساتذة بالاستقواء على الأنظمة والقوانين، وكذلك رفض كل أشكال العنف الاداري ان جاز التعبير واغتيال شخصية الاخر ظلما وزورا ويهتانا ودون دليل. وعلى الجهات ذات العلاقة ومنها مجلس التعليم العالي، ومجالس الامناء ومجالس العمداء وكذلك مجلس التربية والتعليم ان تضع كل السبل الوقائية والرادعة لعدم تكرار مثل هذه التصرفات في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا التي وجدت لتبني الاجيال على اسس بنيانها قوي وقواعد اعمدتها راسخة وصدق الله العظيم حيث قال " أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به" وحمى الله اردننا ومقدراته ودام جلالة الملك سيدا وقائدا.
*كاتب وعضو هيئة تدريس/جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية.
عميد أكاديمي سابق/رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا