صار بوسع ساسة بدول عريقة يغرقون بالفضائح الأخلاقية والمالية، أن يبلغوا قمة الهرم السياسي من دون اكتراث من الجمهور لماضيهم أو حتى حاضرهم.
دول من وزن بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا؛ أي الديمقراطيات العريقة التي قدمت للعالم قيادات سياسية من وزن تشرشل وأيزنهاور وديغول، هي ذاتها التي أتحفتنا بترامب وبوريس جونسون وساركوزي.
مسلسل الفضائح الأخلاقية لترامب قبل وبعد الرئاسة مستمر، وهذه الأيام يحاصره ماضيه القريب كما لم يكن من قبل. اعترافات بالجملة لمحاميه ونساء عاشرهن واشترى صمتهن بالأموال، في سلوك يتعارض بشكل مطلق مع قيم القاعدة الانتخابية المحافظة لترامب.
جونسون وزير خارجية بريطانيا المستقيل، خليفة وزراء بريطانيين خلدهم التاريخ، تخلت عنه زوجته منذ مدة قصيرة بسبب مغامراته النسائية وخياناته المستمرة منذ سنوات طويلة.
جونسون المحافظ تعرض للطرد من عضوية حكومة الظل لحزبه قبل سنوات بسبب سلوكه الأخلاقي المنفلت، وانكشاف فضائحه النسائية، لكن ذلك لم يحل دون عودته للمجد من جديد وتولي حقيبة الخارجية في حكومة تريزا ماي قبل أن يستقيل مؤخرا.
رئيس فرنسا المحافظ نيكولا ساركوزي دخل السجن لفترة من الوقت بسبب علاقاته المالية المشبوهة مع القذافي. خليفته اللاحق فرانسوا هولاند حافظ على علاقاته السرية مع عشيقته وهو في قصر الإليزيه، حتى بعد أن انكشف سرها للجمهور.
وبقليل من البحث في سيرة ساسة غربيين وشرقيين ستظهر النتائج سيلا من الفضائح والمغامرات لوجوه من المشاهير الذين وصلوا لأعلى المراتب محمولين على أكتاف الناخبين.
الديمقراطية لم تفلح بحماية القيم عند النخب السياسية، فقد تراجع مفهوم السلطة بحيث أصبح مجردا من المعايير الأخلاقية وقيم النزاهة، ومجرد لعبة تحايل لكسب الجمهور.
أصبحت الميديا هي الوسيلة الحاسمة في التأثير على خيارات الناخبين أكثر بكثير من السيرة المهنية والقيم المسلكية للساسة. كان ترامب معروفا للجمهور الأميركي، ومع ذلك كسب دعم الأغلبية في الانتخابات. سيرة جونسون في بريطانيا تحفظها وسائل الإعلام، لكن ذلك لم يردع رئيسة الوزراء عن اختياره وزيرا في حكومتها.
الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، خضع لحساب عسير لتجاوزاته الأخلاقية في قلب البيت الأبيض، بيد أنه ورغم اعترافاته بالكذب على الشعب الأميركي لم يجد مجلس الشيوخ سببا كافيا لعزله.
ليس صحيحا أن المجتمعات الغربية لا تقيم وزنا للسلوك غير الأخلاقي أو الخيانات الزوجية، خاصة للمسؤولين. ما حصل حقا أن الديمقراطية وقواعد الحكم الرشيد تفقد قيمها عالميا، وباستثناء عدد محدود من الدول المتقدمة التي ما تزال متمسكة بالمواثيق العامة لسلوك ساستها، فإن الأغلبية تشهدا تدهورا مريعا واستهتارا كبيرا بقيم الجمهور والناخبين على حد سواء.
لا تتعجبوا إن وجدتم في عالمنا العربي ساسة تلطخت سمعتهم بالفضائح الأخلاقية والمالية وقد واصلوا الصعود على سلم السلطة، وفي أحيان كثيرة بإرادة حرة من جمهور الناخبين. ممارسة السلطة لم تعد مرتبطة إطلاقا بالقيم الأخلاقية، هي مجرد علاقة مصالح تربط المشتري بالبائع.
الغد