الأونروا : سَيُمْلأ الوادي سنابل!
د. نضال القطامين
08-09-2018 01:25 AM
لا يبدو قرار الإدارة الأمريكية بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الأونروا، بعيداً جداً عن صعود وتنامي الثورة الشعبوية التي تسلّق بها إلى الحكم عبر سلالم التحذير من ضياع الهوية والثقافة، المحافظون الجدد في كل من الولايات المتحدة وانكلترا وفرنسا والدنمارك وغيرها.
لقد حقق هؤلاء الساسة في هذي البلاد وفي غيرها انتصارات انتخابية استثنائية، بعد أن قدّموا أنفسهم للشعوب بوصفهم قادة الإنقاذ من المد المهدد للعرق وللثقافة والهوية، فكانت وصفة انتخابية ناجعة أفرزت ترامب مرشحا لليمين ثم رئيسا يوصم وفق أغلب الساسة والكتّاب بأنه عنصري وشعبوي.
وامتدادا لنتائج هذا النهج الإقليمي الإثني، جاء قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي - بريكست - في انكلترا، كنتيجة أخرى لحقن أفكار تتعلق بضياع الهوية والتحذير من التورط في خطط أوروبا لاستقبال اللاجئين.
أمّا في مسألة الأونروا، فالتعاطي مع هذه القضية ليس بعيداً عن هذا السياق، وإذا ما وجدنا شرائح من الشعب الامريكي صامتة إزاء هذا القرار الذي يقامر في جوهرة السياسة الأمريكية؛ فلأن التعبئة العامة الكبيرة ضد اللاجئين عموماً قد أتت أُكلها، في وقت لا يسمع فيه أحد لصوت الإعتدال الذي تتصدره النيويورك تايمز كوسيلة إعلام ذات شأن.
يكتب محررو هذه الصحيفة كلاما يستحق الاحترام عن القرار غير الحصيف. "قدمت إدارة ترامب تفسيرات مختلفة لقطع المساعدات عن الفلسطينيين ووقف جميع المساهمات في وكالة الأمم المتحدة التي تدعم خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، منها أن الفلسطينيين بحاجة إلى تعلم مساعدة أنفسهم، وأن العرب الآخرين يجب أن يدفعوا.
وأن معظمهم ليسوا لاجئين حقاً ويجب عليهم الكف عن المطالبة بحق العودة. وتعتقد هذه الأعذار أن هذا سيدفعهم إلى طاولة المفاوضات.
وتتساءل الصحيفة عن الأعذار الأمريكية تجاه هذا القرار وتقول، هل جارد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، الذي من المفترض أن يقوم بإعداد "صفقة القرن"، يعتقد حقاً أن خفض المساعدات للفلسطينيين وتجريدهم من وضعهم كلاجئين سوف يجبرهم على قبول خطة من جانب واحد ؟
وتتابع الصحيفة، بأن الأهم من ذلك، هو هل يفهم السيد ترامب أن إدارته قد تخلت فعليًا عن الدور الحاسم الذي حاول أسلافه تحقيقه كوسيطين للسلام في الشرق الأوسط، مع بقاءه صديق وحليف إسرائيل الرئيسي؟ هل يدرك أن حرمان الفلسطينيين من أي أمل في الوساطة الخارجية أو الدعم ، وجعل حياتهم أكثر بؤسا، يمكن أن يؤدي إلى جولة أخرى من العنف؟
إن قرار وقف التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين، الذي أعلن عنه رسمياً يوم الجمعة، يتجاوز كثيراً مسائل الاحترام أو التكتيك التفاوضي.
إنه يؤثر على وكالةٍ توفر التعليم المدرسي والصحة والغذاء وغيرها من الخدمات للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وكذلك في الأردن وسوريا ولبنان." تؤكد الصحيفة.
تتعالى اليوم أصوات المعتدلين وترتفع رايات المنددين بالقرار، وبينما رفضت الدول المضيفة للاجئين العرض الأمريكي بخصوص منحه قيمة الدعم بشرط التخلي عن اللاجئين، خرج شاعرهم ليقول أن "نيرون مات ولم تمت روما، بعينيها تقاتل، وأن حبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل"، وأن الدول تعتلّ لكنها لا تموت، وتهزم الشعوب لكنها لا تستسلم، ويجول الباطل في حلبات كثيرة لكنه سيدوخ في نهاية الشوط وسيلقى به في سلال إعادة التدوير، علّ جزءاً صالحًا غير أحمق يخرج من جسده الذي أنهكته السهرات وحلبات المصارعة، بينما عليه أن يدرك تماماً، أنه ليس اللاعب الوحيد، وعاجلاً أو آجل، سيلتقط لاعبٌ آخر الكرة، ويعيدها تدور بين الخصمين، فيكون مكان هذا المتحذلق دكة الإحتياط الخشبية، بعد أن كان يعتقد أنه سيلعب الوقت كاملاً، بما فيه الوقت الضائع.