منع "المجد" .. هل تحقق الرقابة المسبقة المصلحة الوطنية؟
فهد الخيطان
03-05-2007 03:00 AM
تطوير آلية اعلامية لفض الخلافات تحفظ لكل الاطراف حق اللجوء الى القضاء
رغم الفارق الكبير بين قناة " الجزيرة " وحضورها وصحيفة المجد الاسبوعية الا ان الاجراء الذي اتخذ مؤخرا ضد الوسيلتين الاعلاميتين دفع الى السطح من جديد مسألة الرقابة المسبقة على وسائل الاعلام وبتأثير ردود الفعل التي توالت بعد منع "شريط الجزيرة" تفاعلت في الاوساط الصحافية بشكل واسع قضية »تقرير المجد« بعد قرار رسمي بمنع طباعة العدد الاخير من الصحافية.يعيد الاجراء الذي اتخذ بحق »الجزيرة« ومن ثم "المجد" الجدل من جديد حول اشكالية العلاقة بين حرية الصحافة والمصالح الوطنية.
بعد اقرار قانون المطبوعات والنشر والتوجه لاقرار "حق الحصول على المعلومة" وسلسلة اخرى من القوانين المرتبطة بمعادلة الحرية والأمن كان متوقعاً ان منظومة التشريعات تلك ستنهي الى غير رجعة كل اشكال الرقابة خارج القانون. بيد ان واقعتي الجزيرة والمجد اكدتا ان الاعتبارات السياسية ما زالت تتقدم على قوة القانون.
اخطر ما حصل في قضية المجد ليس منع طباعتها وانما تبرير الرقابة المسبقة كشكل من اشكال التأثير على حرية الصحافة وتكريسه كمبدأ يتحول مع مرور الوقت الى تقليد.
ربما يكون ما ورد في تقرير المجد يشكل ضررا بمصالح الدولة لكن تعزيز ذلك بشكل مسبق هو الخطأ. الأمر ينبغي ان يترك للقضاء وتقدير المصلحة الوطنية امر لا يمكن تركه لمزاج المسؤولين الحكوميين.
السؤال المطروح الآن: ايهما اكثر ضرراً على المصلحة نشر تقرير صحافي يمكن دحضه برد من الجهات المعنية وتحويل الصحيفة الى القضاء ام قرار منع طباعة الصحيفة وممارسة الرقابة المسبقة بكل ما يتبع ذلك من اساءة لصورة الاردن وسمعته؟
ما حدث بعد قرار المنع ان المئات ممن لا يقرأون المجد تهافتوا على موقعها الالكتروني للاطلاع على التقرير والمفاجأة ان كثيرين ممن طالعوا الصحيفة اعتبروا المعلومات الواردة فيها عادية جداً مقارنة مع ما سمعوه من الفضائيات او اطلعوا عليه في صحف عربية واجنبية.
في عالم اليوم لم يعد لتقييد حرية وسائل الاعلام المحلية اية قيمة, فبوسع اي شخص الحصول على ما يشاء من المعلومات بصرف النظر عن دقتها من وسائل متنوعة ومتاحة. النتيجة الوحيدة التي تتحقق من سياسة الرقابة المسبقة هي تشويه صورة البلد الذي يلجأ اليها.
والرقابة المسبقة في هذا المجال تتساوى تماما مع مبدأ توقيف الصحافي قبل حكم القضاء وهو المبدأ الذي الغي في القانون الاردني مؤخرا.
والرقابة المسبقة تنطوي على استهتار بقدرة وأهلية الرأي العام في التمييز بين ما يسيء لمصالحه الوطنية وبين حقه في الحصول على المعلومات والحكم على صدقيتها فمنع النشر بحد ذاته يدفع المواطنين للشك بنوايا الحكومات, وفي ظل اتساع فجوة الثقة بين الطرفين يُشكل انطباع لدى الرأي العام بأن الحكومة تسعى من وراء القرار لحجب معلومات مهمة عنه, مع ان موقف الناس سيختلف لو سمح للصحيفة بنشر ما لديها من معلومات.
سأوافق الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن »اخبار الصحيفة - المجد - تستند الى معلومات من مصادر استخبارية تمس امن الوطن ومصالحه« كما قال في تصريح صحافي. وسأفترض من جهتي ان هذه المعلومات غير صحيحة. فهل حقق قرار منع النشر المصلحة الوطنية واذا كانت المعلومات كاذبة اليس من الافضل للحكومة تأكيد ذلك بقرار قضائي يقوي من حجتها؟.
نشكو دائما من الاستهداف الاعلامي الخارجي للأردن وهذا صحيح في بعض الاحيان لكننا في مرات كثيرة نوفر للجهات التي تستهدفنا الذخيرة اللازمة لشن الهجوم.
كيف يمكن الخروج من المأزق وتجاوز ما جرى مع صحيفة المجد؟.
تطبيق القانون هو الحل في تلك الظروف, لكن يمكن تطوير آلية لمعالجة حالات كهذه بالتوافق بين الاطراف المعنية. يمكن للمجلس الاعلى للاعلام مثلا ان يشكل لجنة للتدخل الفوري في حال اعتراض طرف رسمي كما حدث مع صحيفة المجد لتسوية الخلاف بما لا يمس بحق الصحيفة في النشر في حال رفض الطرف المعترض الحلول المقترحة من اللجنة.
تسوية الخلافات كبديل للاجراءات الاحادية او اللجوء الى القضاء مبدأ اصبح متبعا في المحاكم اليوم وفي الدول التي تمر بمراحل انتقالية مثل الاردن لا بأس من تجريب الحلول المرحلية, فذلك افضل الف مرة من انتهاك الحريات باسم المصالح الوطنية.