دوافع غطرسة ترامب التجارية
د. عاكف الزعبي
06-09-2018 12:55 PM
أول اضافة لمديونية الحكومة الامريكية من عيار تريليوني تمت في عهد الرئيس الامريكي ريجان (1982-1989 ) وبلغت 1 تريليون لترتفع المديونية الى 2 تريليون. ثم توالت الزيادات 4,5 تريليون في عهد بوش الابن حتى 9 تريليون في عهد الرئيس أوباما . الآن تشير آخر بيانات وزارة الخزينة الامريكية الى مديونية اجمالية تبلغ 21,13 تريليون تلامس نسبة 115% من الناتج المحلي الامريكي.
تغطي امريكا عجز موازناتها المستمرة سنة بعد أخرى بالاقتراض المحلي والخارجي . للحصول على القروض تصدر سنداتها الحكومية التي يلقى شراؤها محلياً وخارجياً اقبالاً كبيراً باعتبارها اكثر الملاذات الآمنة للاستثمار ، مما يوفر للحكومة الامريكية القروض التي تحتاجها لتغطية عجوزات موازناتها . ولا تزال سندات الخزينة اهم ادوات تمويل عجز موازنات الحكومة الامريكية .
مديونية الحكومة الامريكية هي اليوم اكبر تحدٍ للاقتصاد الامريكي بعد أن استمرت ايرادات موازناتها غير قادرة على تغطية نفقاتها التي تستعصي على التخفيض الامر الذي لا يبعث الأمل في التغلب على عجز موازناتها وتزايد مديونيتها . ولذلك فهي تبحث اليوم عن زيادة ايراداتها خاصة امام القيود الكبيرة على قدرتها على خفض نفقاتها وربما عدم رغبتها في ذلك .
خلال سنة وثمانية شهور من بداية عهد الرئيس ترامب لم تفلح جهوده في تجميد عجز الموازنة والمديونيه . واضطر مثل اسلافه لاصدار مشروعي قانون للسماح برفع نسبة المديونية للناتج المحلي بسبب عجز ادارته عن اتخاذ تدابير غير استثنائية او حتى استثنائية لمعالجة العجز . وهو على ما نرجح ما جعله يفكر في زيادة الرسوم الجمركية على المستوردات من شركائه التجاريين الكبار وفي مقدمتهم الصين والاتحاد الاوروبي لزيادة ايرادات الخزينة وخفض عجز الموازنه.
لا نعلم هل سيفلح الرئيس في مسعاه مع شركائه التجاريين أم لا ، لكننا نعلم علم اليقين ان المديونية الامريكية ليست مشكلة اقتصادية لامريكا وحدها . بل هي مشكلة للاقتصاد العالمي بمجمله بعد ان اصبحت دول العالم اكبر مقرض للحكومة الامريكية فضلاً عن انكشاف قطاعاتها المصرفية على القطاع المصرفي الامريكي وهو الاكبر في العالم وواحد من مصادر الاقتراض للحكومة الامريكية .
امريكا في العالم اليوم اشبه بكبير تجار السوق واكثرهم مديونية . قروض تجار السوق (الدول الدائنه)هي من تديم وقوفه على قدميه خوفاً من سقوطه وأملاً بنجاته ، ولا خيار لهم لمنع سقوطه الذي سوف يتسبب بسقوطهم جميعاً إلاّ الاستمرار في اقراضه ما استطاعوا فعل ذلك بعد ان بلغت قروضهم له 14 تريليون دولار .
مفارقة ان تقود امريكا العالم في زمن ثراء حكوماتها وفي زمن عجزها ومديونيتها الخرافيه . عند نهاية الحرب العالمية الثانيه قادت العالم بفعل ثرائها حيث كانت تمتلك وحدها ما يزيد على نصف الاحتياطي العالمي من الذهب الذي كان في حينها احتياطياً وحيداً للعملات الدوليه ، فرضخت اوروبا لامريكا لحاجتها لها لاعادة اعمار بلادها التي دمرتها الحرب وهو ما تم لاحقاً بمشروع مارشال الامريكي . واليوم تقود امريكا العالم بل تبتزه بالعجز الكبير لموازناتها وتضخم مديونيتها الذي اذا لم يساعدها العالم في التغلب عليه تطوعاً او الزاماً سوف يؤدي الى انهيار الاقتصاد العالمي كاملاً.