لا يجوز ان نكرس بناء مؤسسيا قائما على ان أعباء تفاصيل السياسة الخارجية للدولة تقع على الملك, وحتى عندما يتم الحديث عن وزارة الخارجية فإن حديثا يخرج بأن إدارة هذا الشأن ومتابعته بكل تفاصيله هي من اعباء الديوان, نقول هذا ونحن جميعا ندرك الدور التاريخي لمؤسسة الحكم في بناء العلاقات الدولية للأردن وحماية مصالحه وتشكيل معادلاته, لكن كل هذا لا يغني عن حالة وطنية عامة معنية بالعلاقات الاردنية في الخارج وتمثل عونا حقيقيا للملك في كل جهوده.
لن نذهب بعيدا، فما حدث أخيرا من استفزاز وإساءة صهيونية للأردن عبر الحديث عن هويته السكانية, كشف عن ضرورة وجود حالة أردنية مؤسسية وليست عاطفية للتعامل مع مثل هذه الاحداث. وأتحدث هنا عن مجلس الأمة كمؤسسة, وتحديدا النواب باعتبارهم ممثلين للشعب الأردني وليسوا جزءا من السلطة التنفيذية, وإذا كانت بعض ردود الافعال النيابية من كتل قد خرجت مشكورة الا اننا نتحدث عن فعل لمؤسسة مجلس النواب التي تناظر الكنيست الذي صدرت عنه الإساءة.
وحتى الحكومات فإنها احيانا تعتبر نفسها معفاة من الفعل السياسي لأنها تركن الى جهود الملك, وعلى الحكومات ان يكون لها دور سياسي وفعل ورد فعل, أي انها مؤسسة سياسية, ولهذا لم يناقش مجلس الوزراء ما صدر عن الجانب الصهيوني وإنما تم ابلاغه من الرئيس بأنه تم استدعاء السفير. ولم نسمع تصريحا سياسيا من الرئيس.
ما نريد ان نصل إليه كدولة ان حمل عبء الجزء الخارجي هو مسؤولية كل المؤسسات الدستورية, بل ان جزءا اساسيا من مواصفات أي مسؤول وممثل شعب او عين او سفير ان يدافع سياسيا عن الاردن, وأن لا يشعر الجميع ان الملك هو من يدير الشؤون الخارجية. ولهذا يمارسون الكثير من الصمت والعجز, فالملك يحتاج الى مجلس نواب وأعيان قوي يصدر مواقف ويتخذ اجراءات تزيد من قوة الموقف الاردني, لأن العالم الخارجي يتأثر اذا سمع موقفا قويا من ممثلي الشعب تجاه قضية م,ا وهذا يكون سلاحا سياسيا للسلطة التنفيذية, والملك يحتاج الى حكومات تبادر سياسيا الى حمل الاعباء, لأن الكثير من المسؤولين في الحكومات اعتقدوا ان الحديث السياسي هو تكرار عدد من العبارات مثل "حل الدولتين" و"إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة" وغيرها من العبارات التي حفظها الناس والإعلام وفقدت قدرتها على التأثير.
الحديث في القضايا السياسية التي تعني الأردن جزء اساسي من مواصفات المؤسسات الدستورية, مجالس الأمة ليست فقط للتعيينات او مناقشة للقوانين بل مؤسسة سياسية لها نكهة خاصة, حتى وهي تتخذ موقفا مغايرا لموقف رسمي, لكن في سياق دعم مواقف الأردن, والحكومات ايضا يجب ان تدرك انها العنوان السياسي وأنها ليست مجالس حكم محلي للأردن وتعنى بالأمور الداخلية, وأن وزير الخارجية هو ضيف على الحكومة لكن عمله خارجها, وأحيانا يكون سفيرا نشيطا او تمنحه الحكومة صلاحيات ليمثل رأي الدولة, لكن الحكومة مثلا لم تطلب من سفيرها في تل ابيب ان يصدر تصريحا يحمل موقفا سلبيا من السلوك الصهيوني.
القضية ليست في هذه الحادثة فقط لكنها مثال. جوهر الأمر ان بناء المؤسسات الدستورية يجب ان لا يغيب عنه ان تكون عونا قويا وفاعلا، وليس موسميا، في الشأن الخارجي ومواجهة التحديات التي تواجه الأردن, وأن تكون سندا حقيقيا للملك لا ان ان يكون دورها فقط الإشادة بجهود جلالته وتحميله العبء الكامل، وكأن هذه المؤسسات مجرد فاعليات شعبية!
sameeh.almaitah@alghad.jo