الرئيس الامريكي والتحديات التي تواجه عملية السلام
فؤاد الحميدي
03-06-2009 08:02 PM
رغم التواصل والتقارب الفكري والثقافي والحضاري بين شعوب العالم في ظل ثورة تكنولوجيا الاتصالات ،والتي ساهمت في ازالة الفورق بين المجتمعات الانسانية ومحاربة العنصرية وتقريب الشعوب من بعضها البعض، ما زالت اسرائيل تمارسه العنصرية وتعيش في "غيتو".
ولعل ابرز ما يميز اليهود المنتشرين في مختلف بقاع العالم ,الانطواء والتخلف الفكري والاجتماعي , والجشع , وجنون العظمة , وتعصبهم الديني وأنانيتهم القاتلة, مما قادهم الى ان يحافظوا على وضعهم المتحجر في "الغيتو" وكان لانتقالهم من الاحياء اليهودية (الغيتو) والتي هي عبارة عن مقاطعة مدينة (وغالبا ما كانت مغلقة) يعيش فيها اليهود قد اثرت على سلوكهم في فلسطين ولهذا نجد انهم استنجدوا بجدار الفصل العنصري ، كما تاثروا بالممارسات النازية التي نفذت ضد اليهود في المانيا على يد النازيين "الهولوكوست " وهذا ما انعكس على ممارساتهم ضد الشعب الفلسطيني.
ان ما يشجع اسرائيل على الممارسات العنصرية الدعم المتواصل التي تتلقاه من اوربا الغربية وامريكا من الموالين للصهيونية ،التي وصلت قناعتهم بان اسرائيل دولة ديمقراطية ،ورغم هذا الادعاء فانه لايغير من حقيقة كونها كياناً عنصريا تمارس جميع اشكال العنصرية من خلال ديمقراطيتها المزيفة.
ولهذا نجد ان اسرائيل تصنف "سكانها " من المستوطنيين على درجات يحتل اليهود الاشكناز الذين عاشوا في "اسرائيل" عدة سنوات الدرجة الاولى ،وياتي بالدرجة الثانية اليهود الاشكناز من اوروبا خاصة اذا كانوا متزوجين من يهوديات اشكنازيات ،اما المرتبة الثالثة فيحتلها اليهود الاشكناز من امريكا خاصة اذا كانوامتزوجين من يهودية اشكنازية ولدت في "اسرائيل"،ومن ثم ياتي في المرتبة الرابعة اليهود السفارديون.
وتطبق هذه القاعدة للفصل بين اليهود في الاولويات والوظائف وغيرها ، وهذا ما يدفع الكثير من اليهودالى الهجرة المعاكسة والتخلي عن اسرائيل .
نعم السلوك الغربي والامريكي شجع اسرائيل على ما تقوم به من ممارسات عنصرية وهدم وقضم للأراضي العربية وتشريد اصحابها ومنع الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين من البناء في أراضيهم التي يملكونها ومن حرّية الحركة والتنقّل والعمل والعبادة ووضعهم في مربعات جداران الفصل التعنصري ليفصلهم عن المناطق العربية .
هذا التشجيع لاسرائيل ساهم في ما تقوم به من بطش وقمع وإرهاب واعتبرته الدول الكبرى دفاع عن النفس , ولديها قناعة بان إسرائيل بلد ديمقراطي وإنّ ديمقراطيتها في خطر دائم ومهدّدة من دول الجوار.
من يصدّق ديمقراطية اسرائيل التي اقيمت على دماء وتشريد وتجويع الشعب العربي الفلسطين ، يكون معتوه لان اسرائيل نفسها لاتصدق ذلك ، الا ان المتحمسين للصهيونية يحجبون الحقائق عن جرائم اسرائيل الوحشيّة ويصفونها بالدولة الديمقراطية للتغطية على افعالها .
ان ما تقوم به اسرائيل حاليا في مواجهة مشروع عملية السلام التي بادرت به الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا من مشاريع قوانين تقضي بالضغط على الفلسطينين العرب وإبقاء السيطرة الإسرائيلية على الكتل الاستيطانية في الضفة، و قانون منع نشر أي تحريض ينكر يهودية إسرائيل، ومعاقبة المخالفين بالسجن لمدة عام. ومنع اسرائيل ل"عرب 48" من احياء ذكرى النكبة ، لا يمكن الا ان تدرج تحت قائمة السلوك العنصري،وان مثل هذه الممارسات الاسرائيلية بحق فلسطينيي الداخل تجاوزت القوانين والاعراف الدولية اضافة الى التصريح باعتبارالقدس الموحدة عاصمة اسرائيل الابدية ،والتي واجهت استنكارا محليا وعربيا ودوليا.
ان مثل هذه المواقف الاسرائيلية تعتبر بمثابة " ضربة " لعملية السلام تدفع المنطقة باتجاه" الدمار " ان مثل هذه التصريحات والافعال ما هي الا دليل على عنصرية اسرائيل والاطمئنان لتوجهات الغربيين والامريكيين الصهاينة المؤيدن لمثل هذه الافعال .
ان موقفها من ايران واقناع العالم بضرورة منع ايران من استكمال مشرعها النووي ومطالبة الدول العربية بالمشاركة بهذا الموقف لضرب ايران لا علاقة له بعملية السلام ولا بالقضية الفلسطينية ولا يجوز ان يشكل عائقا في طريق السلام فالتذهب وتضرب ايران وايران قادرة ان تدافع عن نفسها، اما نحن العرب فلنا حساب مع ايران وعداء مع الصهيوينة .
فاسرائيل تطلب من العرب مواقف وتنازلات وادخالهم ا في دوامة لابعادهم عن عملية السلام وتطالب بان يأتي التطبيع اولا ثم مفاوضات السلام وبنفس الوقت تتنكر لقيام دولة فلسطينية تقام على تراب الوطن الفلسطيني.
ان هذه الافعال تهدف الى خلق امر واقع جديد على الأرض يتحتـّم على العرب والفلسطينيين قبوله ولو بالقوّة والتفاوض عليه , وذلك بعد ان تخلت الدول العربية عن خيار المقاومة وأصبح السلام هو خيارهم الاستراتيجي.
نعود لنقول ان هذا الدعم المكشوف للدول الكبرى يصب في مصلحة الكيان الصهيوني المزروع في قلب المنطقة العربية ومنحه وسائل القوّة والدعم اللامحدود وهذا ما برز جليّا في مؤتمر مناهضة العنصريّة " دوربان 2 " الذي دعت اليه الامم المتحدة و عقد مؤخّرا في جنيف بسويسرا وقاطعته كل من الولايات المتحدة، وألمانيا ،وكندا، وهولندا، وإيطاليا ،ونيوزلندا ، حيث كان غيابهم تضامنا مع اسرائيل التي كان من الطبيعي أن تقاطعه فالدولة العنصرية لا يمكنها مناهضة العنصرية، وإسرائيل تخوض حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في محرقة غزة ،الا انه من غير الطبيعي أن تقاطع هذا المؤتمر التي دعت له الامم المتحدة الدول الكبرى وهي التي تنادي بحقوق الانسان والديموقراطية وباحترام الرأي الآخروحرية التعبير ، لان مثل هكذا موقف يسجل لمصلحة اسرائيل ويدعم تعدياتها وتجاوزاتها صرية لا يمكنها مناهضة العنصرية.
وفي هذا المؤتمرقامت الدنيا ولم تقعد على ما جاء في خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي قال "فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لجأ الحلفاء إلى القوة العسكرية لانتزاع أراضٍ من أمة برمتها تحت ذريعة معاناة اليهود... الذين أرسلوا مهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة لإقامة حكومة عنصرية في فلسطين".ورغم اننا نخشى ايران الا انه عرض حقائق تاريخية . كما ان البيان الختامي للمؤتمر جاء خال من اية اشارة الى اسرائيل وحافظ على التذكير بمحرقة اليهود وتجاهل تماماً القضية الفلسطينية وممارسات اسرائيل في فلسطين .
ان مقاطعة مثل هذه الدول التي تقود الديمقراطية شجع اسرائيل على التطاول والاتجاه نحو المزيد من العنصرية والذي ظهر جليا في مشاريع القوانين والتصريحات التي اطلقها قادة الدولة العنصرية والتي تؤكد ان اسرائيل تتجه للمزيد من العزلة و العنصرية ولا يجوز السكوت على مثل هذه التصرفات الوقحة من اقطاب الحكومة الاسرائيلية الذين يدفعون الشرق الاوسط نحو الخراب .
وتعتبر مطالبة اسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية " فكرة عنصرية من الدرجة الاولى تمس بشكل مباشر حقوق كل من هو غير يهودي " فى اسرائيل ،ان اسرائيل بالاصل جاءت دولة مغتصبة احتلت الاراضي العربية في عام 1948 بمواطنيها المسيحين والمسلمين فهم اصحاب الحق ومثل هذا الامر يلحق الاضرار بمصالحهم والمس بحقوقهم الاساسية " .
السكوت ألاميركي والغربي عزز ممارسات اسرائيل العنصرية ،وتجاوزت اسرائيل كل القيم والاعراف الدولية في اعلان عنصريتها على الملاء في ظل دعم ا لدول الكبرى، مثل هذا الدعم يعتبر مؤشرا للدعم الاساسي لقيام دولة اسرائيل وتشجعها على الممارسات اللانسانية .
ونعيد إلى أذهان كل من لا يعترف بعنصرية إسرائيل، قرار الأمم المتحدة(3379) الصادرفي عام/1975 والذي كان واضحا في نصه (باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري)، ومعروفة هي الظروف الدولية التي أدت بالأمم المتحدة إلى إلغاء القرار المذكور بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، والضغوطات الكبيرة التي مورست على دول عديدة للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل إلغاء هذا القرار.
وبالرغم من إلغاء القرار المذكور، فقد جرى التعبير عن عنصرية الصهيونية في مواقع عديدة سواء في قرارات للأمم المتحدة بشكل غير مباشر أو في قرارات منظمات دولية عديدة منها مؤتمر دوربان 1 في جنوب إفريقيا في سبتمبر/ 2001 وقد اعتبر الصهيونية واللا سامية شكلين من أشكال العنصرية.
وفي ظل هذه الممارسات الصهيونية التي تقوم بها اسرائيل سواء لجهة استعداداتها للحرب المتثمل في المناورات التي تقوم بها او لجهة المواقف والتصريحات التي تطلقها والقوانين التي تسنها والتي بمجملها تقود الى الكارثة وتتحدى مواقف وتصريحات دول العالم وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية واروربا التي تنادي بالسلام في المنطقة ، هل بقي مكان للسلام ؟ وماذا بقي للرئيس الامريكي من عملية السلام التي سيطرحها في القاهرة ؟